جدة غير، قالها الشاعر الجداوي طلال حمزة في مطلع قصيدة غزل في مدينته جدة فرددها الناس من بعده «جدة غير»، ثم صارت شعاراً سياحياً لساحل غربي يرتاح الناس له ويشعرون بروح أهل الساحل المنسجمة حالما يتنفسون نسائمه. يمكن أن تلمس حال الانشراح والرقة في أهل الساحل الحجازي إن كنت قادماً من نجد المتحفزة والحذرة والعجلة، مقارنة بالروح الساحلية المنبسطة الهاشة الباشة المتسامحة في اللهجة الحجازية. زرت جدة مراراً، وكنت أقول لأهلها إن جدة غير فعلاً، لكنني هذه المرة قلتها حين وجدت نفسي في حفاوة إثنينيتها الشهيرة «إثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة» بدارته في جدة، التي زفّت لي لجنتها خبر تكريمي في قائمتها قائلة إنني وصلت الرقم 472 في قائمة المكرمين من المبدعين والمثقفين والبارزين من داخل المملكة وخارجها، معتذرين أن هذا التكريم جاء متأخراً، وأنا أقول «إنه للتو طاب وقته»، فأنت لن تشعر بقيمة هذه الحفاوة إلا حين تشاهد ما حملته من أسماء سبقتك من العلماء والمثقفين والمبدعين، من رجال الفكر والصحافة والأدب من داخل المملكة وخارجها. وقد أنجزت «الإثنينية» توثيق فعاليات تكريم ما يزيد على 440 عالماً ومفكراً وأديباً من داخل المملكة وخارجها عبر مسيرتها، ويحضرها جمع غفير من المثقفين والمهتمين نساء ورجالاً. هذه الأماسي الإثنينية وعلى مدى ستة أشهر من كل عام، لا تحتفي فقط بالمبدعين، بل تشعل مساء رائعاً من اجتماعات ثقافية يزدحم فيها الحضور المتلهف لسماع ما يجيء فيها من سير مهنية وحكايات وأسفار لشخصيات عرفها المجتمع، بعضها ظل بارزاً وبعضها طواه الزمن. من زاد هذه الحكايات والمسامرات يدرك الحضور أن راعي ومؤسس هذه الأمسية أقام لصاحبها عرساً من المحبة والتكريم والحفاوة والدلال أيضاً. وأنا حظيت بالحظين من التكريم، فقد كنت ضيفة الطاولة الرئيسة التي قدمت فيها ورقتي وأجبت عن أسئلة الحضور، وكنت ضيفة طاولة الاجتماع النسائي بإشراف ابنة الشيخ وزوجة ابنه، والذي حظيت فيه أيضاً بجمهور من النساء كان الحفل ينقل إليهن على شاشة تلفزيونية. ليس من السهل أن ينشئ مثقف عريق مثل الشيخ عبدالمقصود منتدى ثقافياً يحظى بكل هذه الثقة والتقدير، فالمثقفون غالباً متمردون ومشاكسون ولا يحبون أن يشهد أحد لهم بأنهم مستأنسون أو تسهل محاباتهم، لكن إثنينية الشيخ عبدالمقصود ما أن تعلن عن الاسم الذي سيُحتفى به حتى يشعر صاحبه أنه نال تكريماً حقيقياً يهبُّ إليه مسرعاً ممتناً. فشكراً لهذه الحفاوة، وشكراً لهذا التكريم وهذه المحبة. [email protected]