لم تكد الساحة الأدبية والثقافية بمدينة جدة تنتظم في فعاليات الموسم الجديد لمنتدى الاثنينية بعد انقطاع دام لعام ونصف، حتى فوجئت الساحة يوم امس الأول بتعليق نشاط الاثنينية حتى نهاية الموسم الحالي لذات الأسباب السابقة والمتمثلة في الظروف الصحية لمؤسسها الشيخ عبدالمقصود خوجة.. وكان المنتدى قد باشر نشاطه لمدة شهر ونصف فقط قبل أن تلجئ الظروف الصحية الخوجة إلى لزوم السرير الأبيض بأحد المستشفيات الخاصة، بعد أن بعث برسالة إلى الساحة الأدبية والفكرية قال فيها: «نظرًا للظرف الصحي الذي أمرّ به تم تعليق أمسيات الاثنينية حتى نهاية الموسم، متطلعًا إلى لقائكم الموسم القادم إن شاء الله مع أطيب التمنيات».. علامة فارقة وتعليقًا على توقف نشاط الاثنينية للمرة الثانية يقول الدكتور عبدالمحسن القحطاني: الاثنينية علامة فارقة في المشهد الثقافي في المملكة والعالم العربي، ولها قيمتها، كما أن كثيرًا من الوسائل العلمية تلجأ إلى مطبوعات الاثنينية لأن فيها ما لا يجده الباحث في غيرها، وتبين أشياء لم يسبق أن قالها الأديب أو المفكر أو الضيف في مكان غير الاثنينية، لهذا فهي تأتي بمعلومات مميزة، إضافة لما قامت به من إشعاعات ثقافية أصبحت مصدرًا يستقي منه العلماء والباحثون معلومات. ويختم القحطاني بقوله: إن روّاد الاثنينية ينظرون إليها بشغف وعمل كبير، متطلعين أن تعود بعد هذا التوقف، ونسأل الله أن يعجل بشفاء خوجة، فهو حريص على أن يكون الحاضر في هذه الاثنينية ومع ذلك في الأسابيع الماضية كان يضغط على نفسه كثيرًا لحضور الاثنينية واستقبال روادها، وكان يسعد بأن يكون بينهم، لذا نرجو لمؤسس الاثنينية عبدالمقصود خوجة الشفاء العاجل. تاريخ مشهود وعلى ذات النسق المشيد بنهج منتدى الاثنينية يقول القاص محمد علي قدس: سيظل الصالون الأدبي (اثنينية عبدالمقصود خوجة) كما رسخ في أذهان الأدباء والمثقفين والإعلاميين في بلادنا، على مدى عقود، وكان أدباؤنا من الرعيل الأول، من أوائل المكرمين فيها، وقد سعى الشيخ عبدالمقصود جاهدًا لتكريس رسالة اثنينيته، وفق هذا النهج، في وقت كان تكريم من المجاهدين بأقلامهم، والمجتهدين ببحوثهم والنابغين بإبداعهم، نادرًا وشحيحًا، فرحل الكثير من أدبائنا الرواد، قد جلسوا على منصة الاثنينية معززين مُكرمين، فرحلوا وليس في نفوسهم حسرة عدم الإنصاف وألم النسيان، في احتفاليات موسمية شاركنا فيها جميعًا، ووقفنا في فخر وإعزاز مقدرين للأستاذ خوجة مواقفه، ومبادراته في تكريم أدبائنا والوفاء لهم، قبل فوات الأوان، والرجل ظل في تكريمه وفيًا وحفيًا بالجميع. ويستطرد قدس بقوله: عبدالمقصود خوجة خلال مسيرته وتاريخه الأدبي، وضع نفسه بصالونه الأدبي المشهور في قمة الذين صنعوا تاريخهم بتكريم الأدباء والاحتفاء بالمبدعين.. فقد كانت بداية الاثنينية في محرم عام 1403 للهجرة وقد أرادها الأستاذ عبدالمقصود أن تكون امتدادا للقاءات والده التي كان يجمع فيها أصدقاءه وأنداده من الأدباء، وكان من أوئل الأدباء الرواد الذين كرمتهم الاثنينية الأستاذ الأديب المؤرخ عبدالقدوس الأنصاري، وتوالت اللقاءات بشكل شهري ثم أسبوعي، وقد ذكر الأستاذ عبدالمقصود رائد الاثنينية، أنها كانت في البداية صالونًا أدبيًا، ومن حيث شاء أو لم يشأ، وقد أصبحت صالونًا أدبيًا مختلفًا من حيث الشكل والمضمون والأهداف، لم تبن الاثنينية أهدافها لتكون ملتقى للأفكار وطرح القضايا، والحوارات الأدبية، وإن كانت تدخل في إطارها كمنبر حر للأدباء والمفكرين الذين ارتادوا صالون الاثنينية الأدبي، وأصبحوا جزءًا من كيانه، ولكن الهدف الأسمى والذي اختصت به (اثنينية الخوجة) هو تكريم الأدباء والاحتفاء بهم، في سنة لا تقتصر على الأدباء الكبار، بل تشمل كل مبدع ومفكر وعالم وأديب وفنان، ترك بصمة متميزة في الإبداع، وقد كرمني الأستاذ خوجة بأن أتاح لي منذ بدايات الاثنينية في بيته العامر قبل أن تنتقل لمبناها وكيانها المعروف في قصره الفاخر، مقدمًا أوعريفًا للحفل.. ومشاركًا على منبر اثنينيته في تكريم الأعلام الذين نعتز بهم، وشاركت في إضاءة بعض الجوانب التي أعرفها عن ضيوفه، وما أكثر الشخصيات التي نالت تكريم الأستاذ خوجة واحتفت بهم اثنينيته، وقد اتسع نشاطها لتنتقل من المحلية الضيقة إلى الإقليمية ثم العالمية، بتكريم الاثنينية عددًا من المستشرقين والأدباء والعلماء المسلمين، من مشرق الدنيا ومغربها. ويختم قدس بقوله: ما إن فرحنا بعودة الاثنينية واستئناف نشاطها الذي كان بمثابة الإضاءة للمشهد الثقافي والحراك الأدبي حتي فوجئنا باعتذار صاحب الاثنينية عن تعليق النشاطات المتبقية لها لهذا العام، وذلك لظروفه الصحية، ونحن نبتهل إلى المولى عز وجل أن يلبسه ثوب الصحة والعافية، ويشرق بأريحيته وبشاشة وجهه في إطلالة موسم جديد للاثنينية، ومن حقه علينا الدعاء له ونضئ المشهد الثقافي بليلة نكرمه فيها ونكرم صالونه الأدبي المشهور، الذي لا شك أنه قد ترك بصمة متميزة في تاريخنا الأدبي.