خلقنا الله سبحانه وتعالى مختلفين في أشياء كثيرة، منها الشكل والطباع واللغة والاهتمامات وغيرها الكثير، لا لشيء سوى أن نتعارف ونتشارك في ما بيننا ويعوض كل منا الآخر ما ينقصه وذلك في قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». وعلى رغم كل هذه الفروق والاختلافات بين البشر أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الله لا يفرق بين عباده، إلا على أساس التقوى فقط، وذلك في قول الرسول: «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى». من هذا المنطلق يجب علينا ترسيخ فكرة الاختلاف، بداية من الخلق وصولاً إلى أقوالنا وأفعالنا. ومن المهم جداً تدريس رأي الإمام الشافعي، رضي الله عنه، عندما قال: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». إذا أخذنا هذا في الاعتبار، فلن يثور كل منا من أجل رأيه بل سيكون عليه أن يستمع إلى رأي الآخرين، وإذا أصر على رأيه فعليه أن يقدم الأدلة والبراهين على صدق كلامه، هذا إن لم يقتنع برأي الآخرين لأن لديه ما يثبت خطأ هذا الرأي. وأهم من إثبات الرأي طريقه إثباته، فيجب أن يكون هذا باللين والرفق في الكلام، لأن الكلام الليّن يغلب الحق البيّن. أما في ما يتعلق بالأمور الاجتهادية التي تحتمل أكثر من رأي، فكل إنسان يستطيع أن يأخذ بالرأي الذي يميل إليه قلبه. وهناك ما يسمى بالقاعدة الذهبية في فقه الاختلاف لدى علماء المسلمين، حيث يقولون: «نجتمع في ما اتفقنا فيه ويرحم بعضنا بعضاً في ما اختلفنا فيه». مثال: «هل مصافحة الرجال النساء والعكس تنقض الوضوء؟». الامام أبو حنيفة قال: «إنها لا تنقض الوضوء»، أما الإمام الشافعي فقال: «إنها تنقض الوضوء». وإذا كان حال العلماء الاختلاف، فما بال غير العلماء؟ ما بال كل إنسان منا يتشبث برأيه ويتعصب له ويفترض الكذب فى الآخرين ويقلل من آرائهم؟ ولننظر معاً إلى بعض من أقوال السلف الصالح، لنتعلم فكرة الاختلاف: روي أن هارون الرشيد قال للإمام مالك رضي الله عنهما: «يا أبا عبدالله، نكتب هذه الكتب ونفرقها في آفاق الإسلام لنحمل عليها الأمة». قال: «يا أمير المؤمنين، إن اختلاف العلماء رحمة من الله على هذه الأمة، كلٌّ يتبع ما صحّ عنده، وكل على هدى وكل يريد الله». وقال الإمام مالك أيضاً: «شاورني هارون الرشيد في أن يعلق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على ما فيه». فقلت: «لا تفعل، فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع، وتفرقوا في البلدان، وكُلٌّ مُصيب»، فقال الرشيد: «وفّقك الله يا أبا عبدالله». إن الاختلاف هنا هو مجرد اختلاف فى آراء حياتية وليس عقائد ثابتة. إذاً، لا بد لنا من ترسيخ هذا المفهوم لدى الجميع ألا وهو أن نتفق في الجوهر ونختلف في المظهر وأن نتعلم ثقافة الحوار والاختلاف، وفكرة الرأي والرأي الآخر، لأن لكل منا عقله وتفكيره، ولا يحب أحد منا أن يقلل الآخرون من شأنه أو يسفهوا رأيه.