لا أدري لماذا (يحمق) البعض وكأنما يهوله أنه قد شتم أو انتهكت كرامته عندما تقع على مسامعه كلمة (أختلف معك) فيجن جنونه، ولا تهدأ سريرته حتى (يسحق رأي الآخر) أو بالأحرى يطمس هذا الاختلاف! وكأن لسان حاله يقول: من يظن نفسه هذا مدعي (الفهامة) أيظن نفسه على صواب وأنا على خطأ متعاملا معه بمبدأ (رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب) وربما يتطور الأمر لتأخذه حالة عجيبة من الاعتداد النفسي «أو الشعور بالمعصومية، ولا يكتفي بذلك فحسب، بل يتم تصنيف المتهم على هواه بالتطرف الديني تارة وبالعلمانية أو الليبرالية تارة أخرى، أو يرميه بالطائفية أو الزندقة، والشخص الآخر في حالة ذهول من ردة الفعل!!. مع أن كلمة الاختلاف في حد ذاتها ليست سيئة أو سلبية كما درج على هذه البرمجة الفكرية كثيرون، بل ربما تكون إيجابية في الغالب الأعم، وأستطيع أن أقنعك بذلك عزيزي القارئ في جملة أسطر، فيقال مثلا لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع، ويقال أيضا اختلاف العلماء رحمة، والله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوبا وقبائل (مختلفين) ليتعارفوا، وفي الحياة العاطفية يفضل أن يكون هناك بعض الاختلافات في الشخصية والفكر بين الزوجين ليكمل كل واحد منهما ما ينقص الآخر وحتى نحن كمبتعثين، برنامجنا قائم على وجود الاختلاف أصلا بيننا وبين من نقيم في بلدانهم سواء علميا أو حضاريا، وكذلك دراسيا، وقد يكون التشابه (وهو نقيض الاختلاف) في حل الواجبات أو تقديم الأبحاث مثلا سببا منطقيا في الطرد من الجامعة . أعتقد أنه حان الوقت لتعلم هذه الثقافة لتكون منهج الحياة القادمة ، وأرجو أن لا أكون مبالغا أن طالبت بإضافتها للمناهج الدراسية. ولنا في سير العظماء أسوة حسنة في إيمانهم بثقافة الاختلاف، فهذا سيدنا عمر يقول: (أصابت امرأة وأخطأ عمر) فأفلح سياسيا، وهذا الأديب أحمد لطفي السيد – مفكر مصر في زمانه – يصدح بجملته الشهيرة: ((الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)). وهذا المهاتما غاندي يقول: (( الاختلاف في الرأي ينبغي ألا يؤدي إلى العداء وإلا لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء)) أما الإمام الشافعي فقد روي عنه قوله لأحد مخالفيه ((ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في المسألة)) ألسنا نفتقر إلى هذه الثقافة؟. أحمد بلفقيه (جازان)