الحوار حكمة إلهية عظيمة، وسلوك حضاري لا غنى عنه للشعوب، مهما اختلفت ألوانها وتوجهاتها، وذلك لحاجاتها للتواصل والتعارف. ومنذ بداية الخلق، سن الحوار، واتضح ذلك من خلال حوار الله تعالى مع الملائكة عليهم السلام بأن يجعل في الأرض خليفة، وأمره لهم بالسجود لآدم عليه السلام، ثم الحوار مع الشيطان عندما رفض السجود. كما جاء في سورتي الأعراف (الآيات 12 18)، والإسراء (الآيات 61 65) التي أوضحت جليا ضعف موقف إبليس وحججه الواهية، وأبانت مقدار ما يكنه من عداء للبشر، وسعيه لإغوائهم ليكونوا معه في سواء الجحيم، ثم تخليه عنهم، كما جاء في الآية (22) من سورة إبراهيم: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم). وجاءت حوارات الله تعالى مع الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام، في عدة مواضع من القرآن الكريم. وظهر حرص نبينا محمد عليه الصلاة والسلام على التحاور مع كفار قريش، ويهود المدينة لدعوتهم إلى الإسلام، والرد على كل تساؤلاتهم التعجيزية. ويعرف الكثيرون القصة التي رواها البخاري في صحيحه، حول حوار أبي هريرة رضي الله عنه مع رجل تردد عليه ثلاثا للحصول على الطعام عنوة وهو يمنعه، وعندما عزم على رفع أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة قال له: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال: لا، قال: ذاك الشيطان. وفي خضم الأحداث الحالية التي يشهدها العالم؛ تحرص المجتمعات المتحضرة على ترسيخ ثقافة الحوار بين شعوبها، والشعوب الأخرى لإبراز منجزاتها، وتوثيق أواصر الصداقة المبنية على الاحترام المتبادل. ولتحقيق ذلك، بادر خادم الحرمين الشريفين حفظه الله إلى تبني إنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لتكريس الوحدة الوطنية، والإسهام في صياغة الخطاب الإسلامي الصحيح المبني على الوسطية والاعتدال، ومعالجة القضايا الوطنية المختلفة من خلال الحوار، وترسيخ مفهومه وسلوكياته في المجتمع، ليصبح ثقافة وأسلوبا للحياة ومنهجا للتعامل. ويشير عدد من المتخصصين إلى أن الحوار عامل رئيس لتحقيق التفاهم، كونه يحترم حرية الإنسان في الاختيار، وحقه في الاختلاف، ولذلك يتطلب الحوار الاعتراف بالآخر، والانفتاح عليه والتكامل معه، بدلا من تجاهله ومقاطعته، والالتزام بآداب الحوار كالانصات، والطيب من القول، وتجنب إفحام الخصم، والابتعاد عن تسفيه آراء الآخرين، أو التعالي عليهم.. كلمة أخيرة: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب (الشافعي). !!Article.extended.picture_caption!! * جامعة الملك سعود كلية التربية. [email protected] للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 272 مسافة ثم الرسالة.