عندما تطرح قضية للنقاش تختلف وجهات نظر أفراد المجموعة بين مؤيد ومعارض ومحايد ، فكل رأي يحتمل الخطأ والصواب ، الأمر الذي يجعل الحوار صعباً لعدم القدرة على التعاطي مع الأفكار ووجهات النظر بمنهجية صحيحة وأصول واضحة ، فتتولد نزاعات لا فائدة منها ، وبالتالي تتسع الفجوة وتظهر بوادر الفرقة والابتعاد ، في الوقت الذي من حق كل مشارك أن يقول ما يريد ، ويعتنق من الأفكار ما يشتهي ، وفي المقابل على الطرف الآخر أن يسمع ويقدر ، فينتج عن ذلك منهجية صحيحة محاطة بضوابط وأصول علمية ، فيعيش الجميع جواً متجرداً من التجريح والإقصاء والحيدة والغموض شريطة أن تخلو المجموعة من الجاهلين ، لأن المرء الجاهل عندما يشارك في قضية ما لا يعرف من الحديث إلا ما يعتقده هو الصحيح ، فتراه يناقش ويدافع عن وجهة نظرة بقوة وشدة وبدون حجة أو بينة مقنعة متسلحاً برفع الصوت والانفعال والاستشهاد ببعض الأمثلة النادرة والشاذة لفقده ثقافة فن الحوار وحسن الإنصات وتقبل الرأي والرأي الآخر ، فاختلاف وجهات النظر يوضح شخصية صاحب الوجه من حيث المجتمع الذي نشأ وتربى وترعرع فيه ، ومن هم حوله ، ومن لهم تأثير عليه ، وغالباً ما ينتج عن تلك الاختلافات الوصول إلى الصورة قبل النهائية للمطلوب ، وإذا كان الحوار سامياً تكون الحقيقة واضحة الرؤيا ، فمن الواجب أن نتقبل أفكار الآخرين ، ونتفهم وجهات نظرهم ، ولا نتمسك برأي واحد ، فحين نختلف لا يعني هذا أن أحدنا على خطأ والثاني على صواب ، بل قد نكون جميعاً على صواب لأن كلاً منا يرى من زاوية لا ينظر منها الآخر ، فالذي يحترم وجهات نظر الآخرين يمتلك إمكانية تكوين رؤية أشمل وأكثر تكاملاً للحياة ، فكل وجهة نظر خاصة تستحق كل الاحترام لأن كل إنسان له مفاهيمه ونظرته الخاصة به التي يبنيها كما يرى الحقيقة من وجهة نظرة ، فليس هنالك من يمتلك الحقيقة المطلقة بل أن كلاً منا يمتلك جزءاً منها. من أقوال الإمام الشافعي رحمة الله: كلامي صواب يحتمل الخطأ ، وكلام خصمي خطأ يحتمل الصواب . همسة: للحقيقة أكثر من وجه. ومن أصدق من الله قيلاً (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو اعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُو اعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)