كما أن هناك ما يوصف ب«الحب عن بعد» تماشياً مع مقولة الشاعر العربي العتيق: «الأذن تعشق قبل العين أحياناً»، هناك ما يمكن وصفه ب«الكراهية عن بعد»، وهو ما كشفت عنه حادثة اقتحام رجل مسلح لمبنى مجموعة «mbc» في العاصمة السعودية السبت الماضي بهدف اغتيال مذيعة تعمل في راديو «mbc إف إم»، من دون أن تكون بينهما أية معرفة شخصية سابقة. شهادات زملاء المذيعة التي نجت بحياتها من هذه الحادثة الطريفة، تؤكد أن الرجل المسلح من فئة المضطربين عقلياً، أما المذيعة نفسها فكشفت عبر حسابها الشخصي في شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» أن المسلح فعل ما فعل غضباً من عدم ردها على عبارات كتبها لها في «تويتر»، أي أنه ينتقم لكرامته التي شعر بأنها انتهكت بهذا التجاهل، وهذا بالطبع يؤكد اختلاله عقلياً، لكنه يفتح ملف إذاعات «إف إم» التي تكاثرت في السعودية خلال الأعوام الثلاثة الماضية كنسخ مكررة من بعضها، وحافلة بجميع أنواع السخافة والبرامج التافهة المحشوة بكل أدوات الاستظراف الممل. والحديث هنا ليس عن المذيعة التي تعرضت لمحاولة القتل في شكل خاص، فهي برأيي مذيعة جيدة ومميزة، وإنما عن عشرات المذيعين والمذيعات الذين أصابوا المستمع السعودي بالغثيان وجعلوه يكره مرغماً تشغيل الراديو في سيارته أو منزله. بالنسبة إلي شخصياً لا ألوم من يجد نفسه مضطراً إلى كراهية مذيع يفسد صباحه وهو في طريقه إلى العمل بترديد الضحكات المتتالية، وبعض العبارات التي لا علاقة لها بالتقديم الإذاعي من قريب أو بعيد، معتقداً أنه بمثل هذا السلوك سيقتحم قلوب المستمعين ويشعرهم بأنه قريب منهم، حتى وصلت درجة التفاهة في بعض البرامج الإذاعية إلى تضييع ساعة كاملة في سؤال المستمعين عن نوعية فطورهم والاستهزاء بهم، ثم القفز فجأة إلى سؤالهم عن أهم قضايا الاقتصاد الوطني وغير ذلك مما ينطبق عليه الوصف «سمك.. لبن.. تمر هندي». إن كمية التفاهة التي تضخها إذاعات «إف إم» في السعودية عبر الأثير كفيلة بأن تجابه بكمية مماثلة من الكراهية والرغبة في الانتقام، ومن المعلوم أن المجتمع فيه عدد لا بأس به من المضطربين عقلياً الذين لم يفكروا حتى الآن في اقتحام الإذاعات وتخليص المستمعين من أصوات مذيعيها إلى الأبد، ولذلك أعتقد أن من واجب ملاك ومديري هذه الإذاعات أن يستعدوا لما هو أسوأ إن استمرت إذاعاتهم في استفزاز العاقلين والمجانين معاً بهذا الشكل. في العراق وأفغانستان وسورية وغيرها من الدول التي تشهد اضطرابات وعمليات إرهابية في شكل مستمر، يتم اغتيال المذيعات والمذيعين بناء على مواقفهم السياسة أو انتماءاتهم الطائفية والعرقية، ومن المعيب برأيي أن نخبر العالم بأن مذيعينا قد يتعرضون لمحاولات اغتيال بسبب تفاهة ما يقدمون.. هذا شيء لم يحدث في العالم من قبل، ومن المهم ألا نتصدر مجتمعات كوكب الأرض كافة في قضية كهذه، ولذلك نطالب الجهات المختصة بالتدخل لإزاحة «الثقلاء» من الأثير المتشابك فوق رؤوسنا، قبل أن يتحرك «مجانين صحارينا» كافة، وقد أعذر من أنذر. [email protected] Hani_Dh@