جديد الإعلام المصري هذا الأسبوع لم يكن الصور المعبرة عن خطط جماعة «الإخوان» لإفساد احتفالات أكتوبر، ولم يكن أيضاً تلك اللقاءات مع قادة القوات المسلحة واسترجاع ما جرى في البرامج الشهيرة، الجديد حقاً هو عودة الإذاعة إلى لياقتها. والأكثر حداثة هنا هو تلك الملاحظة المهمة وهو أنه إذا كانت لقاءات التلفزيون من إعداد أهل البرامج، فإن لقاءات الإذاعة كانت من اختيار المستمعين أنفسهم الذين ارتبطوا منذ سنوات طويلة بجهاز الإعلام المسموع قبل صعود الإعلام المرئي. والأمثلة عديدة في الإذاعات المحلية المصرية من «الشرق الأوسط» الأكثر شباباً، وكنت وغيري قد اعتقدنا أنها - أي هذه الإذاعات - فقدت غالبية مستمعيها، غير أن الأحداث تثبت غير هذا، وأنه إذا كان جمهور الشباب يذهب إلى إذاعات الأغاني القديمة والحديثة، من «نجوم اف ام» فإن الجمهور «القديم» مازال وفياً لإذاعاته. وهذا ما بدا واضحاً منذ حزيران (يونيو) الماضي، إذ لم تنقطع اتصالات المستمعين عن البرامج الإذاعية لتعبّر عن آراء لن تجد لها منفذاً على الشاشات. ومنذ صباح الثلثاء الماضي بدأت «أفواج» المستمعين مداخلاتها عبر برامجها المفضلة إذاعياً، غير أنني توقفت عند إذاعة «صوت العرب» التي كانت أقوى الإذاعات العربية ذات يوم بعد ثورة 23 تموز (يوليو) 1952، والتي بدأت تستعيد أمجادها عبر الأثير، فاستقطبت منذ مطلع الشهر الجاري مداخلات هؤلاء الذين قاتلوا في حرب العبور، ويريدون الحديث عن تلك الأيام أو حتى «الفضفضة» عن مشاعر وأحاسيس تملأهم. وفي برنامجها الصباحي، الجمعة والسبت، كان الحضور الجميل للمذيعة نجوى رأفت، حافزاً لتدافع الحضور القادم عبر الهاتف، ولروايات عامة وشخصية يحكيها المستمعون بحميمية ومشاعر متدفقة تجاه الأمس واليوم، وحنين إلى أيام الجيش، والانضباط. وهؤلاء الزملاء والجنود والقادة الذين خاضوا معاً لحظات مصيرية، ورحل كثيرون منهم اليوم... كانت شهادات المستمعين وقدرة المذيعة على تلقيها بما تستحقه من اهتمام وتفاعل دافعة للتفاعل والتأمل في الوقت ذاته، فهؤلاء الذين خاطروا بحياتهم ذات يوم من أجل الوطن يقدمون الوجه الآخر لهؤلاء الذين يزرعون الطرقات في بعض أنحاء مصر رافعين علامة رابعة، ورافضين احترام ذكرى الانتصار وشهدائه ومعركته وكأنهم لا ينتمون لما حدث. ولأن هؤلاء المحاربين لا يملكون القرار في استرجاع شهاداتهم عن حرب أكتوبر على شاشات التلفزيون المصري العام والخاص، فقد راهنوا على الإذاعة وعلى المداخلات والمذيعين المحبوبين للتعبير عن مشاعرهم تاركين لشاشات التلفزيون خرائطها ومطاردتها لهؤلاء الذين يراهنون على نسف كل الأشياء الجميلة. والسؤال الآن هو: لو لم تصمد شبكات الإذاعة في وجه الاستيلاء التلفزيوني على «الصورة» فأين يذهب ملايين البشر الذين يملكون خبرات وشهادات نحتاج إليها جميعاً لكي نوازن ونستعيد الثقة في أنفسنا؟