ما زال طرياً في الذاكرة، ذلك التقرير الوثائقي الذي تناول تفاصيل كثيرة عن المبارزة المضمرة والمستمرة بين مجموعات ال «هاكرز» من جهة، وحُماة الأمن المعلوماتي الذين يصونون العمليات الرقميّة المُتصلة ب «حوسبة السحاب». وصدر ذلك التقرير عن الحكومة الأميركية، ولفت نظر كبريات الشركات في المعلوماتية والاتصالات. ووفق التقرير، تنفق الحكومة الأميركية بلايين الدولارات سنوياً في حماية المعلومات السريّة المتصلة بنشاطاتها، وبالشركات الصناعية التي تتعامل معها مباشرة. وذكر «مكتب الرقابة والأمن المعلوماتي» الأميركي الذي أعدّ التقرير، أن هذا المبلغ شمل توفير الأمن الشخصي لحماية المواد السريّة، وأمن الأفراد ونظم المعلومات السريّة. وقَدّر التقرير تكاليف توفير الأمن المعلوماتي للموظفين الحكوميين بقرابة 1.5 بليون دولار سنوياً، مُرجِعاً ذلك أساساً إلى التحقيقات الدوريّة للموظفين، والتكاليف المرتبطة بأمن المعلومات. وترتفع تكاليف إدارة تصنيف المعلومات السرية بحوالى 27.46 مليون دولار سنوياً، تضاف إليها تكاليف رفع السريّة عن المعلومات التي تقدر بحوالى مليوني دولار. حماية سُحُب المعلومات تعطي هذه الأرقام فكرة عن صورة معركة حماية المعلومات على الإنترنت التي تشكل الحماية من هجمات قراصنة الكومبيوتر «هاكرز»، جزءاً أساسياً منها. ولا تكتمل الصورة عن التهديدات الأمنية التي تواجه بيئات الحَوسَبَة الافتراضية، إلا إذا تذكرنا الاتجاه المتصاعد لتبني مفهوم «حَوسَبَة السحاب» Cloud Computing من جانب المؤسسات والأفراد، على حد سواء. والمعلوم أن «حَوسَبَة السحاب» تعني تشجيع جمهور العصر المعلوماتي ومؤسساته على وضع المعلومات والبيانات على شبكة الإنترنت التي تصبح هي «سحابة» محمّلة بالمعلومات عن الفضاء الافتراضي وناسه وشركاته ومؤسساته ونشاطاته وغيرها. وعلى رغم حداثة هذا المفهوم الذي ظهر قبل سنوات قليلة، فإن ميل الجمهور إلى وضع معلومات على الشبكة يتعمّق باستمرار، وهو أمر يظهر بجلاء في رواج مواقع الشبكات الاجتماعية مثل «فايسبوك» و «توتير»، إضافة إلى بلايين الأشرطة التي يضعها الجمهور على مواقع مثل «يوتيوب» و «ماي سبايس»، ما يعني أن «السحابة» المعلوماتية محمّلة بأهرامات هائلة من المعلومات الفائقة التنوّع. وتشهد مبادرات تكنولوجيا المعلومات في الأسواق الناشئة نُموّاً سريعاً، في ظل توقّع الأفراد والمؤسسات، بروز أفكار ومنتجات متطورة في الأسواق العالميّة بسرعة توازي هذا النمو. وتوفّر البُنى التحتيّة الديناميكية والخدمات المدارة رقمياً، منصّات إلكترونيّة ملائمة كما تتيح للشركات والمؤسّسات كافة العمل على منصات تساعدها في تقديم خدماتها بأسرع الطرق وأقلها كلفة. وفي السياق عينه، تتوقّع مؤسسة «غارتنر» Gartner المختصّة في إحصاءات الاقتصاد الرقمي، نمواً متواصلاً لنشاطات استضافة المواقع خلال السنوات الخمس المقبلة، مع ملاحظة أن إيرادات هذه النشاطات وصلت إلى قرابة 29 بليون دولار في العام الماضي. البحث عن الأرباح من الشركات الصغيرة المبتدئة وصولاً إلى الشركات الضخمة، يبحث الجميع عن طريقة لتخفيض النفقات وتحقيق الأرباح. وأدّى التراجع الاقتصادي إلى الحدّ من وصول الشركات إلى رؤوس الأموال، وفقاً لتقديرات لمسؤولين عن البحوث العلميّة عن البنية التحتية للإنترنت لدى مؤسسة «غارتنر». ويرتبط مصطلح «حَوسَبَة السحاب» في شكل وثيق مع مفهوم «الحَوسَبَة الشبكية» Grid Computing وهيكلية الخدمات الموجهة، إذ يستعمل جمهور «حَوسَبَة السحاب»، برمجيات ومعدات تأتيه من مُزوّدين مستقلين يقدّمون هذه الخدمات في شكل متزامن، ما يعزّز تقنيّات المُحاكاة الافتراضيّة. ويعني هذا الأمر أيضاً أن التطبيقات والبيانات لم تعد مستقرّة في جهاز كومبيوتر أو خادم مختصّ، بل إنها موجودة ضمن «السحابة». ولا بد من أن تتمتع الشبكة بمستوى عالٍ من الأداء والكفاءة كي تتمكن من الربط بين الخدمات المختلفة، إضافة إلى ربط المستخدمين أيضاً بتلك الخدمات. وتعمل شركات رائدة في قطاع الشبكات الرقميّة، ك «سيسكو سيستمز» Cisco، مع الهيئات المُكلّفة رسمياً تحديد المعايير، بهدف صوغ بروتوكولات محدّدة لهذه السوق، ما يكفل تحقيق الرؤية الواسِعة ل «حَوسَبَة السحاب». ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى إعطاء منطقة الشرق الأوسط أفضلية كبرى في بناء قواعد بيانات متطوّرة تستند إلى بيئات افتراضيّة كليّاً. ومن المُمكن أيضاً أن تساهم «حَوسَبَة السحاب» في تزويد شركات محليّة وإقليميّة في المنطقة العربية بالمحتوى العالمي، مع الاحتفاظ بالطابع الإقليمي، ما يزيد سرعة الوصول إلى البيانات، كما يرفع كفاءة استخدامها والثقة بها من الجمهور، عربياً وشرق أوسطياً.