غدا اسم طارق الحبيب أقرب إلى العلامة التجارية، لشهرته بين أطياف واسعة وتيارات عدة، ومع أنه طبيب نفساني مثل عشرات الأطباء في بلاده، إلا أن «فتى عنيزة»، قرّر أن يعلن صوته النقدي تحت غطاء نفسي، ولكنه يذهب في الاتجاهات كافة، لذا كان ظهوره الإعلامي طاغياً ومعاركه صاخبة، غير أنه كما يقول كسب جميع تلك المعارك، بفضل سلاحه النفسي الذي يحتوي به كوامن الساخطين عليه، ويحولهم من حاقدين إلى أحبة يعتذرون. في هذا الحوار، دخل الحبيب من أبواب متفرقة سياسية واجتماعية وفكرية، ولكن دائماً عبر نافذة واحدة هي تخصصه النفساني، فروى ل»الحياة» رأيه في الثورات العربية، وتحليله النفسي لبعض زعمائها الذين منح أغلبهم شهادة بالصحة النفسية، غير واحد منهم هو القذافي الذي رد على تحليل الحبيب بمكالمة قال الأخير إنه تجاهلها، إذ لا خوف منه ولا طمع! وللمشايخ مع زميلهم الذي يحسب عليهم خطاباً وسمتاً تارة، ويقصى عنهم تارة أخرى، قصص وأحاديث استتابة وقسوة وعلاج وحب وهجر. أقساها كان وصفه ب»السفيه النفسي». بما أن الثورات هي المشهد الأهم عربياً، ما رؤيتك النفسية لها، خصوصاً أن هناك من قال إنها ما زادت على أن أخرجت أمراض الشعوب العربية والإسلامية الكامنة؟ - الثورات العربية لها أبعاد نفسية واجتماعية ودينية وسياسية، وسأتكلم من زاوية تخصصي، وهو البعد النفسي، وبالمناسبة عندي برنامج اسمه «النفس والسياسة» بثته قنوات عدة، تحدثت فيه خلال 18 حلقة عن هذا الموضوع، وفي نظري يعيش الإنسان في كل مجتمع حال الخوف والحاجة، فإن كان الخوف عنده أعلى من الحاجة، فإنه لا يطالب بالتغيير لأن الخوف سيمنعه، أما إذا كانت الحاجة أشد من الخوف، فإنه يطالب بالتغيير. ولنأخذ مصر مثالاً، حيث كان الخوف أعلى من الحاجة على رغم الفقر الشديد، ولكن حين تجاوزت الحاجة الخوف، انطلقت الثورة وكشفت حجم الحاجة، تلك هي المقاييس الأساسية لدى الإنسان لأن الشعور بالظلم والاضطهاد مسألة نسبية، ولو جئت لأكثر المجتمعات ثراء في العالم وسألت المواطنين، لعبّروا لك عن شعورهم بالاضطهاد والظلم. وأنا أرى أن البعد النفسي في مثل هذه الثورات يعتبر ضئيلاً بالنسبة للبعدين الاجتماعي والسياسي، ولذلك ناقشنا - في البرنامج - سيكولوجية المظاهرات وكيف تتحرك، ولكن البعد النفسي لا يفسر أساس نشوئها، وإنما يفسر حركتها في ما بعد. كثير من الناس اليوم يرون أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله كشف الغطاء عن طائفية تتناقض مع ما يزعمه خطابه، ما تفسيرك لهذا التحول؟ - لم ألتق شخصياً بحسن نصر الله، وليس له ظهور كاف ومتنوع، حتى أستطيع أن أقرأ شخصيته، وأقدم تحليلاً نفسياً له، ولكن ليس بالضرورة إذا كان الإنسان ظالماً أن تكون شخصيته مضطربة، وإذا كان عادلاً أن تكون شخصيته سوية، فالمقاييس النفسية شيء، والظلم والعدل شيء آخر، أما من ناحية البعد الطائفي، فهذه ليست منطقة تخصصي، والأولى أن يتكلم فيها أهل العقيدة. هناك من يرى أنه كثيراً ما يستخدم مصطلح «المقاومة» للتلاعب بمشاعر الشعوب العربية وخداعها، أليس لهذا تفسير نفسي؟ - سأتحدث عن البعد النفسي، والناس - للأسف - كل شيء يسمونه نفسياً، وإن لم يكن كذلك، ولهذا يجب أن نعرف الحال النفسي، فهي إما أن تكون حالاً نفسية مرضية، أو حيلاً دفاعية لا شعورية، أو ممارسات معينة من نماذج سلوكية، أو غيره. ألا ترى أن استخدام مصطلح «المقاومة» من الحيل النفسية؟ - أعتقد أنها مناورات سياسية لا علاقة لها بالطب النفسي، فلا نخلط العلوم ببعضها، ولهذا أرى أنه على المتخصصين أن يتحدثوا من منطلق تخصصهم، فأنا لا أفهم في السياسة ولا أحبها، ولكنني تحدثت عنها من زاوية تخصصي، وهو البعد النفسي. كل من خالفنا ليس مريضاً! مع الظهور المتكرر في الآونة الأخيرة للرئيس السوري بشار الأسد، كيف تفسر شخصيته نفسياً؟ - الأسد في نظري ومن خطاباته لا يبدو أنه يعاني من اضطراب نفسي بمعنى الاضطراب المرضي، ربما ينتمي إلى طائفة معينة أو توجه سياسي يملي عليه ما يفعل، ولكن لا يظهر لي أنه يعاني اضطراباً نفسياً، وهذا إشكال لدينا، فكل من خالفنا وصفناه بالمريض النفسي أو العقلي أو بالإرهابي، كما فُعل بنا نحن المسلمين فترة من الزمن، هو ظالم قتل شعبه، لا خلاف في هذا، لكنه ليس مريضاً نفسياً. أي من الرؤساء العرب الذين سقطوا ترى أنه كان بالفعل يعاني اضطرابات نفسية، حتى وإن لم تكن مرضية؟ - زين العابدين بن علي لا يظهر لي من خطاباته أنه يعاني من اضطرابات نفسية مرضية، وكذلك رئيس الجمهورية اليمنية السابق علي عبدلله صالح، معمر القذافي عنده علة نفسية مرضية، وقد سئلت عنه كثيراً قبل موته وأجبت، ولكنني بعد موته اعتذرت، لكنه يعاني من سمات الشخصية (الفصيمية) المعطرة بالوجدانية. وبالمناسبة قبل أن يموت القذافي اتصل مكتبه بالعيادة أكثر من مرة، ولكنني لم أتواصل معه، لأنه وكما بدا كان اتصالاً استنكارياً حول ما قلت عنه في إحدى الفضائيات. لماذا لم تردّ عليه ربما كان يستشيرك نفسياً؟ - توقعت أن يكون اتصاله على منواله نفسه في الإغراء بالمال أو التهديد بالقوة، ونحن في بلادنا لا نحتاج إلى الأول، ولا نخشى الثاني، لهذا لم أكن مهتماً. العزل السياسي بما أننا أتينا على ذكر ليبيا وهي منشغلة هذه الأيام بقضية العزل السياسي، ماذا وراء لجوء أكثر دول الثورات إلى هذه الحيلة من زاوية تخصصك؟ - بعض الناس بعد الأزمات وليس فقط الحروب يتكون لديه رفض للآخر، أياً كان جملة وتفصيلاً، والإنسان العربي عموماً لديه لغة التفكير الحدي، فإما أن تكون ملائكياً أو شيطاناً، ويستخدم لغة الإقصاء التام حينما يرفضك، ولعل هذا يمارس على محاور مختلفة، ليس فقط في ليبيا وإنما في كل مكان. ومن البعد السياسي النفسي في نظري، أن كل شعب له إطاره النفسي والمجتمعي، ولهذا أرى أنه من الأفضل أن نترك كل شعب ليتخذ قراره بنفسه، وحتى في شأن مصر قلت مراراً، اتركوا مصر للمصريين، وما أضر الشعوب العربية في الوقت الحاضر إلا تدخل بعضها في بعض، إما اجتهاداً أو أذية. كيف نطالب الشعوب بالتضامن مع الدول المنكوبة، ثم نقول في الحين نفسه لا نتدخل، كيف تتم هذه المعادلة؟ وكيف نتعاطى مع القضية السورية الآن بناء على هذه النظرية؟ - بناء جسد الأمة يكون عن طريق بناء أعضائها، عضواً عضواً، والمجتمع الليبي خرج من ثورة وهو يرتب أوراقه الآن، وهذا وضع مختلف. أما الشعب السوري، فهو يمر بأزمة وحرب، والظلم واضح، وتجب المساعدة ضمن إطار دولي ومناطقي ومجتمعي منظم، لأن هناك من يستغل الأزمات، بدليل التبرعات التي اكتشفوا أنها لم تذهب إلى سورية، أما الأمور السياسية، فلها أبعاد يظهر منها القليل، ويخفى عنا الكثير منها. طبع العربي الشك في رئيسه! كيف تقرأ الخطاب الديني العربي، خصوصاً ما اتصف منه بالتشكيك في أي اتجاه سياسي يسلكه الزعماء حتى وإن كان سليماً؟ - طبيعة الإنسان في مجتمعاتنا أن يشكك فيمن يترأسه، ولو عدت إلى عصر باكر من عصور التاريخ، لوجدت أن هذه الطبيعية التشكيكية موجودة، ومردها أن إنسان الصحراء في علاقته بشيخ القبيلة هو في حال خوف دائم، وخضوعه له خضوع الخوف لا خضوع اليقين، لذلك أعتقد أن البنية المجتمعية هي التي شكلت الخطاب الديني في المجتمع العربي المسلم وليس العكس، فهو المتأثر وليس المؤثر. وفي المملكة تحديداً، البنية المجتمعية هي التي شكلت الخطاب الديني، ولذلك تراه يتغير تدريجياً، فهناك بعض الفتاوى التي كانت تُحرّم باتت تفتي ب«الكراهة» ثم «الإباحة». ولي في هذا كتاب اسمه «التربية الدينية في المجتمع السعودي»، ومن ضمن العبارات التي ذكرتها فيه «أن على التربية الدينية في السعودية أن ترتقي إلى مفاهيم الدين العليا، وقد سعى السعوديون لتصدير دعوتهم بالنكهة السعودية فلم تجد تجاوباً، ولما راجعوا أطروحاتهم وجدوا أنها أمور اجتماعية برؤية دينية، فعملوا لها مراجعات». ماذا عنكم، هل من الممكن أن تُصَنفوا كذلك؟ - الإنسان في السعودية، سواء كان اقتصادياً أم سياسياً أم دينياً أم اجتماعياً أم نفسياً، تشكل بطريقة التربية المجتمعية، لأن تأثيرها أقوى من أي تأثير، فهي تشكل ولا تتشكل للأسف، والجيل الوحيد الذي سيشكلها هو الجيل الناشئ الجديد. ولذا في قراءتي - وقد تعجب من هذا - أن أفخم جيل فكري مر على مستوى المملكة في مرونته الفكرية هو جيل الشباب الصغار الآن من عمر 20 عاماً، ولا أتحدث عن تفلتهم في زيهم أو غيره، وإنما أتحدث عن المرونة الفكرية والتعاطي مع الآخر في حال الخلاف مع هؤلاء الشباب. الرأي العام السعودي ولكن الرأي العام يصنّف هذا أحياناً على أنه سلبي لا إيجابي؟ - لأن الخطاب القديم لا يقبل الآخر، أياً كان هذا الخطاب، متدين أو غير متدين، لذلك فإن هذا الجيل، سواء كان متدينين أم غير متدينين، مرونتهم أعلى ممن سبقوهم. وأنا في نظري هم أفخم جيل، وهم من ستقوم عليهم الدولة السعودية قياماً جميلاً رائعاً في عملية دخول السعودي في الآخر، حتى في تلقيه للعمل الدعوي، عكس من سبقه. لذلك يجب علينا ألا نشكل هذا الجيل بطريقتنا، وإنما نتركه يتشكل بطريقته، ونضع له السياج الكبير الذي لا يخطئه، ولهذا أرى صعوبة في التعامل مع أبنائي وبناتي، على رغم كوني اختصاصياً نفسياً، ذلك لأن نضجهم أعلى من نضجي. قلت إن الخطاب الديني السعودي رُفض خارجياً لأنه كان بنكهة محلية، كيف تفسر إذاً الجماهيرية الواسعة لمشايخ مثل عائض القرني ومحمد العريفي، خصوصاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي لقاءاتهم خارج المملكة؟ - أولاً أقدم احترامي وتقديري للشيخين، ولكن هذا لا يتعارض مع هذا، لأنه حين يقدم خطاباً وعظياً بحتاً للناس تقبل عليه. ولكن عندما يضع اشتراطات دينية بنكهة سعودية يقف ويناقشها ذلك المجتمع الآخر، لأن لديه نضجاً في أنه يمكن أن يقبلك كإنسان، ولكنه يختلف مع ما تقول، وهذا ما نحتاجه، وأراهن عليه في الجيل السعودي الجديد، لذا أخاطب الرواد عموماً من دعاة وغيرهم أن يدركوا هذا الجيل، لأنه ربما لن نستطيع أن ندرك ما يملكه، وإشكال هذا الجيل الكبرى في رواده، لأنهم ينمون بسرعة أكبر من نموهم، وإن لم ينموا نمواً سريعاً مثلهم، فسيبحثون عن رواد خارجيين غيرهم. تحدثت عن ثقافة الشك لدى المواطن العربي، فهل هي ما يفسر عدم رضا أكثر الشعوب عن زعمائها، أم أن العلة في الزعماء حقاً؟ - تكلمت عن ثقافة الشك كأحد المفسرات لعدم الرضا في مجتمعنا، نجدها في علاقة الفرد بزوجته، والمدير مع موظفيه، وليست فقط في علاقة المحكومين بالحاكم، بل بعلاقة الإنسان بالآخر أياً كان. ولا يعني هذا أن الحكام ليس فيهم قصور، فكل منا لديه قصور، وهذا الأصل في طبيعة البشر. أما بالنسبة لنا في دول الخليج، فأنا لا أرى أننا في حاجة لثورات بل لتطوير. وأنا أقول لدول الخليج: «احمدوا الله أن جعل غيركم عبرة لكم، ولم يجعلكم عبرة لغيركم». وفي لحظات الأزمات يا سيدي يجب أن نتناقش في نقاط الاتفاق، وفي لحظات الراحة نناقش نقاط الاختلاف، ولذلك على السعوديين وهم يرون ما حولهم ألا يناقشوا سينما ومسرحاً، بل يناقشون نقاط اتفاقهم ويحافظون عليها حتى تتماسك الأمة السعودية، وقس عليها الدول الخليجية. «الفساد» سلوك إجرامي قضية الفساد في المجتمعات العربية هي قميص عثمان، سواء بحق أم بزعم، فما قول علماء النفس؟ - بعض المجتمعات تلجأ إلى إعطاء القداسة للماضي ونقد الحاضر نقداً لاذعاً. سئلت مرة في إحدى القنوات عن مسألة توريث الحكم، فقلت إن كان توريث الحكم خطأ، فقد بدأ الخطأ الصحابة وبنو العباس التابعون، فلا تلم الحاضر ولا تلم الماضي، وإن كان صواباً فلم تنتقد الحاضر ولا تنتقد الماضي. وقميص عثمان الذي قلت يجب أن يفرد على الجميع. عندنا أخطاء بالفعل، لكن هل كل خطأ نقيم عليه ثورة؟ وفي نظري هذا نوع من عدم السيطرة على الانفعالات الداخلية للإنسان، لن تنتهي الأخطاء مطلقاً في كل جيل وفي كل مجتمع، ولن يعود المجتمع النبوي في أي حال من الأحوال. وماذا عن المقدم على الفساد، ما علته النفسية التي جعلته يلجأ لهكذا تصرف، خصوصاً أن أكلة المال العام قديماً أو حديثاً قد لا يكونون في حاجة ماسة له؟ - الفساد موجود في كل الطبقات وفي كل المجتمعات وليس فقط في مجتمعنا، ولكن النسب تختلف، وإذا أتينا على البعد النفسي، فهناك ما يسمى بالشخصيات «السيكوباتية» أو الإجرامية، ومن كانت لديه سمات هذه الشخصية، يكون أكثر عرضة لأن يفسد ويأخذ من المال العام. ما نوعية المرضى الذين يراجعون عياداتك، وقد بلغت الآن 28 عيادة؟ - كل النوعيات.. الوزراء والسفراء والشخصيات العادية، ومن كل الأعمار، فهناك أطفال ومراهقون، وحتى كبار السن لدينا تخصص خاص بهم في العيادات، والعلاج عندنا على ثلاثة مستويات: الأول علاج المريض، والثاني تدريب الإنسان السوي، والثالث تطوير قدرات المميز. هل تسألون عن الوظائف، حتى تعلم أن هذا سفير وذاك وزير؟ - لا، ولكن بعضهم يصرح عن منصبه حتى نقدّره أكثر، فيرى رد الفعل عادياً فيرتاح. هناك وزراء وسفراء من دول مختلفة وبعض المراجعين قدموا بتأشيرة عمرة، ولا أدري كيف وصلوا إلينا (ضاحكاً). هل يمكنك أن تروي لنا واحدة من قصص هؤلاء المراجعين المهمين من دون ذكر أسماء؟ - المرض النفسي لا علاقة له بالحرمان، فهو إما وراثي أو نتيجة تغير كيماوي، ولا علاقة له بالمال أو الجاه. عالجت أشخاصاً من أكثر الناس ثراء وجاهاً. والمرض النفسي منتشر في السياسيين والفنانين والرياضيين، بل وحتى بين المشايخ، وكلهم عندي سيان داخل العيادة، سواء كان المريض يهودياً أم نصرانياً أم مسلماً من أية طائفة، حتى في دوراتي التدريبية خطابي عام لكل الناس. هل هذا الانفتاح الفكري هو ما جعل البعض يشكك في عقيدتك أحياناً؟ - لم أسمع بأحد شكك في عقيدتي سابقاً، ولكن في مجتمعنا من يلتحي ويلبس ثوباً ويكون من نجد يصرف بعملة معينة هم اعتادوا عليها. أنا عشت جزءاً من حياتي في نجد ودرست في بريطانيا وعملت كطبيب زائر في مصر وأعمل في دول الخليج، هذا ربما سبب التشكل، ومنذ البداية على الإنسان أن يبحث عن عيوبه ويتخلص منها. هل يعني هذا أنك تعذر من يختلف معك كالهيئة العالمية لنصرة النبي التي أصدرت في حقك بياناً؟ - أتعامل مع الكل بصدر رحب، ومن حق أي شخص أن يختلف معي لأنه اختلاف فكر، وليس اختلاف شخص. لم أحتج إلى طبيب نفسي أبداً! في مثل هذه الحالات التي تواجه فيها موقفاً صادماً، هل تلجأ إلى طبيب نفسي يعالجك أم تعالج نفسك؟ - إلى الآن لم أعالج عند طبيب نفسي، وأدعو الله ألا أحتاج، ولكن يجب أن نفرق بين التفاعلات النفسية والمرض النفسي، التفاعلات النفسية كالضيق والملل، وهذه يعالجها لك حبيب أو حبيبة أو صديق. أما المرض النفسي فلا ينفع معه حبيب ولا حبيبة ولا صديق، وإنما اختصاصي نفسي. ما هي أكثر الأمراض النفسية التي ترصدونها في عيادتكم؟ - أكثر الأمراض في المجتمع السعودي الرهاب الاجتماعي، ويعني الارتباك عند مواجهة الناس، أو ما يسمى بالخجل الاجتماعي، والوسواس القهري، ونوبات الذعر أو الهلع، وهو في نظري أكثر الأمراض انتشاراً في دول الخليج. لا مكان عندي للرقاة! هناك من قال بالعلاج بالموسيقى، كيف ترى ذلك من الناحية النفسية؟ - هذه تفاعلات نفسية تتوقف على الشخص، فإن قرر أن الاستماع إلى الموسيقى سيريحه فسيريحه، فالقرار الداخلي هو من يتحكم في هذه الحالات، سواء كان قرآناً كريماً أم موسيقى أم غير ذلك، أما الأمراض النفسية فلا تكفي فيها الموسيقى أو غيرها، وإنما الخضوع لبرنامج علاجي كامل. وماذا عن الرقية التي دعوت إلى فتح عيادات متخصصة لها؟ - أنا لم أدع إلى فتح عيادات، وإنما أن تمنهج هذه المسألة قبل فتح العيادات، ولي في هذا كتاب كبير اسمه «العلاج النفسي والعلاج بالقرآن»، دعوت فيه إلى ضرورة وضع دبلوم وتخريج معالجين بالقرآن، وأن يكونوا جزءاً من الفريق الطبي. هل من الممكن أن تضم عياداتك عيادة للعلاج بالقرآن لو وجدت شخصاً متخصصاً؟ - لا، لأنه لم يوجد حتى الآن مؤهل متخصص، وكل الموجودين متطوعون، وهذا موضوع يجب أن ينظم عن طريق دراسات معينة، ولكنني أنصح مرضاي برقية أنفسهم، ومن يريد الذهاب لقارئ، فلا بأس بشرط ألا يأخذ منه تشخيصاً معيناً، بل يأخذ القرآن لذاته وبركته. ما قراءتك النفسية ل»تويتر» في السعودية؟ - أعتبره نقلة نوعية رائعة، ترفع مستوى الوعي وتخرج القيء المتبقي في جسد السعودي، ولكن مشكلة مجتمعنا بحثه عن عيوب أي جديد وانتقاده، على رغم أن أكثر الناس متابعة لتويتر هم السعوديون. أحد السائلين على «تويتر» يقول لك لماذا تخلط بين الطب النفسي والعلم النفسي، وأنت متخصص في الأول وليس الثاني؟ - الذي يريد أن يتقن تخصص الطب النفسي، لا بد أن يتقن علم النفس، فعلم النفس جذر الطب النفسي، وقد بذلت فيه جهداً كبيراً، ولدينا في العيادة برامج تدريبية لعلم النفس. سمعت من بعض فريقك أن مركزكم الطبي في توسع، هل من الممكن أن يتجاوز المملكة إلى دول الخليج والعالم؟ - «مطمئنة» مركزه الرئيس في الرياض، ويضم 28 عيادة، وهناك فرع في عنيزة بمنطقة القصيم يحتوي على 11 عيادة، وفرع في جدة تحت الإنشاء، وفي الخليج وخارجه هناك ال«فرنشايز»، بحيث نضع معياراً معيناً للعمل المهني ولمستوى الأطباء والاختصاصيين العاملين، ونعطي المستثمر اسم «مطمئنة»، بشرط أن يراعي المعايير والجودة، وأي إخلال بهذا الشرط نسحب الرخصة من طرفنا، والآن يجري التفاوض في دبي وقطر والبحرين والكويت. وهل ترى أن الناس في حاجة إلى الطب النفسي لهذا الحد؟ - الأمراض النفسية منتشرة، وقائمة الانتظار في المركز تصل إلى ستة أشهر، وفي بعض الأحيان إلى عام، وهذا لأن وعي الإنسان ارتفع. سامحت كل من «تمصلح» على حسابي! كيف تصرفت في القضية التي قيل فيها إنك نلت من جانب المصطفى عليه الصلاة والسلام؟ - وضحت للناس أن تلك الكلمات التي قلتها عن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت قبل البعثة، وقالها المفسرون من قبلي، وهي أن «النبي كان محتاجاً لحنان الأبوة»، فقلت: «إذا كنتم تقبلون من عبدالمطلب الكافر وأبي طالب الكافر أن يوفيا حنان الأبوة للنبي عليه الصلاة والسلام، ألا تقبلون مني أن أقول سيدتي وسيدتكم خديجة توفي حنان الأمومة له، يا قوم ما لكم كيف تحكمون؟». ثم كان الكلام عن قبل البعثة، وأنه كان يكمّل صلى الله عليه وسلم، وهذا طبيعي في إعداد نبي سيتحمل الصعاب كلها، ولذلك كان من التكميل أن شق صدره وهو صبي وأخرجت النكتة السوداء، ولذلك كل العلماء الذين كنت أكلمهم أيدوني في أنه عليه السلام كان يكمل، وما كان لديهم اعتراض، رد الفعل أحياناً يكون خلفه مصالح شخصية لأناس لا نتلكم عنهم. ومن هذا المنبر جميع من كان يتمصلح من تلك الأزمة ومن فعل الأفاعيل من منافسين وغيرهم. وهل هناك حادثة أخرى؟ - نعم، أحد طلبة العلم، كتب أن طارق الحبيب «سفيه نفسي»، فظهرت على إحدى القنوات، وقلت رباه إن هناك بعض طلبة العلم، تعدى على عرضي، رباه هبه بكل حرف تعدى به علي علماً شرعياً أغزر أنهل منه وينهل الناس منه إلى يوم القيامة.