لم يشهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو في سنواته الخمس الأخيرة سيلاً من الانتقادات لسياسة حكومته وله كالتي شهدها في الشهر الأخير، ليس فقط من أوروبا والولاياتالمتحدة اللتين تحذرانه من اتساع العزلة الدولية في حال فشل المفاوضات مع الفلسطينيين، إنما أيضاً في حلبته المحلية مع استفاقة متجددة لحزب «العمل» المعارض، وبداية تذمر من شريكيه في الائتلاف زعيمي «يش عتيد» و»الحركة» يئير لبيد وتسيبي ليفني، من عدم تقدم المفاوضات، في وقت حذر كتبة أعمدة بارزون من أن يؤول مصير إسرائيل في عهد نتانياهو إلى مآل جنوب أفريقيا إبان نظام الفصل العنصري. «العمل» لانتهاز فرصة السلام وكرر زعيم «العمل» الجديد يعقوب هرتسوغ أمس دعوته نتانياهو إلى «استغلال الفرصة المتاحة الآن» للتوصل إلى سلام مع الفلسطينيين، مضيفاً: «بلغنا الآن لحظة الحقيقة، وإذا لم يكن في مستطاع نتانياهو اتخاذ القرار التاريخي المستوجب، فعليه إخلاء كرسيه لمن يعرف ولمن يعي ما هو القرار». وتابع في كلمة أمام المئات من أنصار اليسار الصهيوني في تل أبيب: «أقول لكم بمنتهى الوضوح ... يوجد لنا شريك للسلام، وثمة فرصة لتحقيق السلام، وحان الوقت لنتوقف عن السجال الذي يعلق كل مشاكلنا على شماعة الفلسطينيين». وأردف أن إسرائيل تسيطر منذ عام 1967 على مجتمعين، «ما يجعلنا نواجه عبئاً أخلاقياً، وثمة ضرورة فورية للتوصل إلى اتفاق ... نحن في الدقائق الأخيرة من الوقت بدل الضائع، لكن نتانياهو يواصل المراوغة بالكرة». وأكدت زعيمة حركة «ميرتس» اليسارية زهافه غالؤون أن «الكرة بيدينا، ولدينا شريك، لكنني لست متأكدة إذا كان نتانياهو شريكاً للسلام ... وهل هناك من يصدّق فعلاً أن لدى نتانياهو الأسير بيد ثلة من المستوطنين، و(وزير الخارجية أفيغدور) ليبرمان الذي دمر علاقاتنا مع العالم، وزعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، نية للتوصل إلى سلام». المقاطعة على صلة، اعتبرت تقارير صحافية إسرائيلية قرار عدد من الشركات الأوروبية مقاطعة شركات إسرائيلية على خلفية نشاطها في مستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 «ورقة صفراء تحذيرية» تنذر بما هو أشد في حال فشلت المفاوضات مع الفلسطينيين. وكانت شركة مياه الشرب الهولندية «فيتنز» قطعت الأسبوع الجاري، على خلفية هذا النشاط، علاقاتها مع شركة المياه الإسرائيلية «مكوروت». كما أبلغت الحكومة الرومانية نظيرتها الإسرائيلية بأنها ستتوقف عن إرسال عمال بناء إلى إسرائيل لرفض الأخيرة التعهد عدم تشغيلهم في مشاريع بناء في تلك المستوطنات. كذلك توقفت جنوب أفريقيا عن استيراد منتجات يتم تصنيعها في البحر الميت «لأن مصدرها خارج الخط الأخضر». وأشارت التقارير إلى أن جنوب أفريقيا أبلغت شركات بريطانية وفرنسية كبيرة نيتها وقف نشاطها في أراضيها لتعاطيها مع المستوطنات. كما أشارت إلى التحذيرات التي أطلقتها الحكومة البريطانية هذا الأسبوع لرجال الأعمال فيها من مغبة الاستثمار أو تحويل أموال أو اقتناء عقارات في المستوطنات «خشية تضرر سمعتها وتعرضها إلى المقاضاة». تهديد بعقوبات أوروبية وكشف المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس» باراك دافيد عن لقاء الأسبوع الجاري في القدسالمحتلة بين ديبلوماسي أوروبي رفيع ونظيره الإسرائيلي تناول «تهديداً أوروبياً واضحاً بتوسع نطاق العقوبات الأوروبية لتصبح طوفاناً على شركات إسرائيلية تنشط في المستوطنات في حال وصلت المفاوضات مع الفلسطينيين إلى طريق مسدود». وربط المعلق بين هذا الكلام وتحذير وزير الخارجية الأميركي جون كيري لنتانياهو الأسبوع الجاري من «انطلاق حملة نزع شرعية ومقاطعات شاملة» في حال فشلت المفاوضات، فيما حذر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن من أن حملة نزع الشرعية الدولية عن إسرائيل «هي التهديد الأخطر على وجود إسرائيل وعلى أمنها للمدى البعيد». إلى ذلك، استدعى رحيل نيلسون مانديلا هذا الأسبوع وتأتأة إسرائيل في مشاركة رفيعة في الجنازة، معلقين لمقارنة وضع إسرائيل في الحلبة الدولية بوضع جنوب أفريقيا إبان نظام «الأبرتايد». وكتب المعلق حيمي شاليف في «هآرتس» أن العالم استذكر هذا الأسبوع «العلاقات المخجلة» التي كانت لإسرائيل مع ذلك النظام، «واليوم نشعر بعدم الارتياح جراء دعمنا التاريخي لأعداء مانديلا ... وأيضاً حيال صورتنا على أننا ورثة ذلك النظام (الأبرتايد)». وذكّر بأنه عندما كانت جنوب أفريقيا معزولة في العالم أقامت إسرائيل تحالف «الجرباوات» مع النظام الأبيض بالذات في الوقت الذي بدأ المجتمع الدولي يتجند لإسقاطه. وأضاف محذراً من أن العقوبات الأوروبية على إسرائيل التي بدأت بقبولها إملاءات الاتحاد الأوروبي في شأن الدعم العلمي للمؤسسات الإسرائيلية، تشكل بداية حملة مقاطعات تذكر بتلك التي تعرض لها النظام الأبيض في سنواته الأخيرة، وكتب: «ما بدأ في حينه كمقاطعة (النظام الأبيض) أكاديمية غير منظمة في بريطانيا ودول في أفريقيا، انتشر تدريجاً لمجالات الرياضة والترفيه ثم الاستثمارات فقطع علاقات تجارية اضطرت آخر حليفين لذلك النظام، الولاياتالمتحدة وإسرائيل، إلى المقاطعة الشاملة، ففعَل تسونامي المقاطعة مفعوله وسقط النظام». وحذر من أن تكون المقاطعات الأولية هذه «نقطة تحول» في حال فشلت المفاوضات، وأن ثمة مؤشرات كثيرة تدلل إلى ذلك، «فالضرر الكبير الذي تلحقه مشاريع البناء في المستوطنات، خصوصاً أنها استفزازية، والمواجهة المتواصلة مع الإدارة الأميركية على خلفية الملف الإيراني، وتدهور سمعة إسرائيل على خلفية مظاهر العنصرية في المجتمع الإسرائيلي في ظل وجود حكومة يمينية متطرفة، كلها يهيئ الأرضية لنقطة التحول الخطيرة». زعيم مثل دي كليرك وكتبت المعلقة في الشؤون الحزبية سيما كدمون أن إسرائيل بحاجة إلى زعيم بوزن الرئيس الأخير للنظام الأبيض فريديرك دي كليرك «الذي كان الزعيم الأبيض الوحيد الذي تحدى المحيطين به، مدركاً ما لم يدركوه بأن نظام الفصل العنصري بلغ نهايته، وأنه لا بد من إشراك الغالبية السوداء في الحكم... ليت عندنا زعيماً مثله يجيد قراءة الواقع وتكون له الجرأة لبلورته من جديد».