في عمّان جبال بالمعنى الحقيقي منها ما يحمل أسماء تاريخية ومنها ما يحمل أسماء تدل على المكان (جبل عمان وجبل القلعة النزهة وجبل الحسين)، وهناك ما يحمل اسماً مجازياً جميلاً ألا وهو جبل اللويبدة الذي يطلق عليه «جبل الثقافة» لما فيه من مراكز ثقافية كثيرة. في قمة هذا «الجبل» لدينا الآن اسم جديد يليق بالساحة الموجودة (ساحة باريس)، وتقوم حولها مراكز مثل «دارة الفنون» و «المركز الثقافي العربي» و «رابطة الكتاب الأردنيين»، مع الفارق الكبير بطبيعة الحال بينها وبين الأنشطة الثقافية التي تقام فيها. في هذا الفضاء الثقافي لدينا الآن «دارة الفنون»(مؤسسة خالد شومان) التي تحتفل الآن بالذكرى ال 25 لتأسيسها بجملة أنشطة على رأسها «حوار في عمان» الذي يمتد من تشرين الثاني (نوفمبر) إلى نيسان (أبريل) ويتسع لتجليات حوار فني يشمل فنانين من قارات آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. المكان في حدّ ذاته أصبح يساعد على ذلك بعد أن اكتمل في 2013 ترميم «بيت البيروتي» الذي انضم إلى مباني الدارة التاريخية التي تطل على جبال عمان المجاورة. فالمبنى الرئيس فيه بناه نمر باشا الحمود في عشرينات القرن العشرين على نمط معماري مميز لجبل اللويبدة بعد أن أصبحت عمان عاصمة لإمارة الأردن، وتحول لاحقاً إلى مقر للقائد البريطاني للجيش الأردني العقيد بيك، وغدا بعد ترميمه في 1993 نواة لدارة الفنون بعد أن أصبح يضم مكتبة متخصصة بالفنون وقاعات عرض مختلفة. وفي 1995 انضم إليه بعد ترميمه البيت التاريخي الذي كان يسكنه «شاعر الثورة العربية» فؤاد الخطيب ثم رئيس وزراء الأردن في الخمسينات سليمان النابلسي وبيت حاكم عكا إسماعيل حقي الذي تحول إلى قاعات عرض لوحات وأفلام فنية، بينما رُمّم في 2011 البيت المجاور الذي بناه السوري عبد المجيد العجمي في ثلاثينات القرن العشرين ليتحول إلى مركز للباحثين في الفن العربي الحاصلين على منح الدارة للدراسات العليا، وتوج ذلك في 2013 بترميم البيت المجاور الذي بناه اللبناني عبد الحافظ غيطاني على النمط البيروتي في ثلاثينات القرن العشرين لتسكنه لاحقاً الملكة زين الشرف والدة الملك حسين والذي افتتح خصوصاً الآن ليضم النشاط الرئيس بمناسبة الذكرى ال 25 لتأسيس «دارة الفنون»: حوار في عمان. هذه البيوت التاريخية كان الهدف من إعادة ترميمها خلق مجال مناسب لرعاية الفن والفنانين العرب والأجانب سواء بواسطة تنظيم معارض وندوات وعرض أفلام أو على شكل مِنَح وإقامات لفنانين عرب وأجانب يستفيدون منها للتواصل في ما بينهم ومع الفنانين الأردنيين المقيمين هنا بطبيعة الحال. في هذا السياق جاء «حوار في عمان» بتنسيق الفنان البرازيلي أدريانو بيدروسا ويضم برنامج إقامات فنية تشمل 14 فناناً وفنانة من العالم العربي وآسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، في فرصة لعرض أعمالهم والتفاعل في ما بينهم وبين هذا المجال البصري الجميل الذي أصبحت تمتد فيه مجموعة البيوت التاريخية التي تم ترميمها وتحولت إلى قاعات عرض وندوات وإقامات للفنانين القادمين من الخارج. في المعرض المشترك الذي يكاد يشكل «حوار الجنوب المهمش في عمان» لدينا لوحات متنوعة لفنانين عرب (بيسان أبو عيشة وريّان تابت وشروق حرب وصبا عناب) وأجانب من تركيا (اسلي تشافوسوغلو) وإسبانيا (اسونثيون غوردو) وجنوب أفريقيا (ثابيسو سيكفالا) والبرازيل (جوناساس دي أندراده وكلارا اياني) والبيرو (دانيلا أورتيت) وأنغولا (كيلوانجي كيا هيندا) والفيليبين (ماريا تينوغوشي) وفيتنام (نغووين فونغ لينه) والهند (هيمالي بوتا). لكن «بيت البيروتي» اجتذب الزوار أكثر لسببين: لأنه اُفتتح بهذه المناسبة وأصبحت مشاهدته في حد ذاتها متعة فنية ولأنه ضمّ لوحات قيمة من المجموعة الخاصة للمرحوم خالد شومان (1931-2001) الذي أصبحت المؤسسة الآن تحمل اسمه. ففي هذا المعرض لدينا لوحات لفنانين فلسطينيين وأردنيين وعرب ذات قيمة تاريخية وفنية كبيرة مثل الفنان الفلسطيني نيقولا صايغ (1870-1930) والفنانة التركية الأردنية فخر النساء زيد (1901-1991) وغيرهما. في البوستر الخاص بمعرض «حوار في عمان» الذي يتصدر مدخل «دارة الفنون» نجد لوحة «تسليم القدس» (زيت على قماش) من 1918 للفنان الفلسطيني الرائد نيقولا صايغ من المجموعة الخاصة لخالد شومان شومان التي ترعاها الآن زوجته الفنانة سهى شومان. وسواء لكونها تحتل كامل الملصق أو لكونها تعرض بهذه المناسبة فقد اجتذبت الاهتمام أيضاً لقيمتها التاريخية ولراهنيتها. أبدع الفنان صايغ في رسم نظرات الأطراف الثلاثة التي تسلّم وتستلم القدس (الأتراك والعرب والإنكليز). فعلى حين تتّسم نظرات الطرف التركي بالحسرة والمذلّة تبدو نظرات الإنكليز معبّرة عن روح الانتصار والعنجهية، بينما نظرات الفلاح الفلسطيني حامل العلم الأبيض تنظر إلى المجهول بمشروعية مبرّرة.