صدرت عن المركز القومي للترجمة، النسخة العربية من كتاب «صورة لمصر: رحلة في عالم الجماعات الإسلامية المتشددة - صورة جديدة لأسامة بن لادن»، من تأليف الصحافية الأميركية ماري آن ويفر، ترجمة نشأت باخوم، مراجعة نسيم مجلي وتقديم محمد عفيفي. تتبنى المؤلفة وجهة نظر معظم المحللين الغربيين التي تقول إن نشوء ظاهرة الإسلام السياسي يرجع إلى المستوى الاقتصادي المتدني لمعظم الدول في العالم الإسلامي، إذ بدأت منذ الأربعينات بعض الحركات الاشتراكية في دول إسلامية عدة تحت تأثير الفكر الشيوعي، في محاولة لرفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي للأفراد. ولكن انهيار الاتحاد السوفياتي خلف فراغاً فكرياً كبيراً، ومن هنا انطلقت الأفكار التي ادعت أن التخلف والتردي في المستوى الاقتصادي والاجتماعي يعود إلى ابتعاد المسلمين عن التطبيق الصحيح لنصوص الشريعة الإسلامية وتأثر حكوماتهم بالسياسة الغربية، لذلك فلابد من وجود بديل. هذه الحملات التي تؤمن بالإسلام باعتباره نظاماً سياسياً للحكم وأن الشريعة من الممكن أن تصلح لإدارة مؤسسات الدول. تكمن أهمية الكتاب في أن الكاتبة توقعت أن جماعة «الإخوان المسلمين» ستصل إلى السلطة عبر الطرق السياسية البطيئة، كما تنبأت بثورة 25 كانون الثاني (يناير)، وتوقعت أن الشرطة لن تستطيع الوقوف أمام هذه الثورة وأن الرئيس المصري السابق مبارك سيطلب تدخل الجيش وسينحاز الجيش إلى الشعب. قامت الكاتبة بإجراء حوارات مع شخصيات عامة خرجت منها باستنتاجات ذات دلالات، فعندما سألت أحدهم: لماذا يتحول الشباب إلى الإسلام السياسي، أجاب: خذلتنا الاشتراكية في عهد عبدالناصر والرأسمالية في عهد السادات، ومن ثم آمن الناس بأن «الإسلام هو الحل». تتحدث المؤلفة أيضاً عن خطط «الإخوان» للوصول إلى الحكم، عبر وجودهم ضمن التيار الرئيسي للحياة السياسية، فكانوا يطرحون أنفسهم كبديل مقبول، ومن ثم ظلت تلك الجماعة هي الأعلى صوتاً بين الحركات الإسلامية كافة، وأنجزت تقدماً ملحوظاً نحو هدفها للاستيلاء على السلطة، حين سيطرت على عدد كبير من النقابات المهنية ومنظمات الطلاب. وتستطرد: «مبارك هو من ساعد بسلبيته هذه الحركات على الاستمرار، ولكن عندما بدأ المسلحون في الهجوم على الأقباط وحرق محالهم وحرق الكنائس، وبعدها الهجوم على السياح والمفكرين، تيقّن مبارك من حتمية مواجهتهم، خصوصاً بعد تقاطع الأحداث مع محاولة اغتيال الكاتب الراحل نجيب محفوظ في 1994، وقبلها عزل منطقة إمبابة عن العالم كإمارة إسلامية في 1992، وكذلك مذبحة الأقصر التي وقعت في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1997 وأسفرت عن مقتل 58 سائحاً من جنسيات مختلفة. لم تنسَ الكاتبة أن تجري حواراً مع الرئيس المصري حسني مبارك، قبل تخليه عن الحكم في 11 شباط (فبراير) 2011، من أهم ملامحه أنها أثارت غضبه عندما تحدثت عن نبذ «الإخوان" للعنف، وما إذا كانت لديه نية رفع الحظر عن تلك الجماعة، فكان رده أنه لن يسمح بجزائر جديدة في مصر، وأنه سيأتي يوم سيتم فيه فضحهم وكشفهم، ولكن أهم ما في الحوار هو حديثه عن أن مصر يطاردها شبح أفغانستان، إذ إن من تدربوا هناك سيهرولون للانضمام إلى حركة «حماس»، وستكون غزة قنبلة موقوتة على الحدود. في سياق آخر، تتحدث المؤلفة، في أحد فصول الكتاب عن أسامة بن لادن، ونشأته الأرستقراطية، وكيف عمل على تمويل الجماعات المسلحة، قبل أن يتوجه إلى بيشاور كمجاهد، ثم تتحدث عن المفكر المصري نصر حامد أبو زيد ودعوى الحسبة التي رفعها متطرفون ضده وانتهت بالحكم بتفريقه عن زوجته، قبل أن يختار هولندا منفى له. تقول المؤلفة: «لم أقصد من هذا الكتاب أن يكون بحثاً أكاديمياً أو حساباً دقيقاً، إنه ببساطة رحلة امرأة عبر الجماعات الإسلامية المتشددة». وتستطرد: «هذا الكتاب عن رحلتنا المشتركة: الرئيس مبارك، والشيخ عمر عبد الرحمن (المسجون حالياً في أميركا)، وأنا وهؤلاء الذين قابلتهم، المفكرين وسكان الأحياء الفقيرة، والماركسيين والشيوخ والراقصات والطبالين والأمهات اللائي فقدن أولادهن في كلا الجانبين، في حرب انتقامية بين قوات الأمن والإسلاميين المسلحين». وفق المؤلفة، فإن زيارة السادات للقدس، في 1977 كانت من اللحظات المستحيلة في التاريخ العربي الإسرائيلي، وبينما كان يغادر القاهرة متوجهاً إلى تل أبيب، كانت الجماعات الإسلامية تكتسح انتخابات الطلاب في جامعة الإسكندرية، ومن ثم راحت تفرض إرادتها، فمنعت بالقوة تدريس كتب بعينها، كما منعت الاحتفال بالأعياد الوطنية، ومنها مثلاً «عيد الأم» الذي اعتبرته عيداً وثنياً. كانت تلك المرة الأولى - تقول المؤلفة- التي تعبر الحركة الإسلامية المصرية عن نفسها بمثل هذه القوة في الشمال، فقد بدا وكأنها اقتصرت في السابق على القرى والمدن الصغيرة في صعيد مصر ووسطها، وبخاصة في جامعة أسيوط والمناطق المجاورة التي شهدت نشاطاً متنامياً للإخوان المسلمين سنوات عدة. وترى المؤلفة أن هذا التيار كسب أرضاً ذات قيمة بتكثيف نشاطاته المعارضة لعملية السلام في الشرق الأوسط بعامة، وضد حكم السادات الدنيوي العلماني بخاصة، ولكن رغم صرخات الإسلاميين المعارضة والمحتجة - هذا الاعتراض الذي بدأ يكتسح العالم الإسلامي كله - فإنه في آذار (مارس) 1979 وفي مروج البيت الأبيض، أصبحت معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل حقيقة واقعة. في هذا الكتاب تحاول المؤلفة الإجابة عن سؤال: هل كان يمكن مصر أن تخسر معركتها مع الإسلام المتشدد؟ وماذا كان سيعني هذا بالنسبة إلى المسلمين السُنة عموماً، وبخاصة للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط؟ وما أشبه الليلة بالبارحة، بل لعل هذا الكتاب يفسر ويجيب عن الكثير من الأسئلة الصعبة التي تواجه مصر الآن.