ليس رجماً بالغيب القول ان الإصابات بأنفلونزا الخنازير في الولاياتالمتحدة، باتت ترصد بأرقام مليونية. ربما بدا الأمر مستغرباً للبعض بالنظر الى قلة التداول إعلامياً بهذا الرقم الرهيب. وفي المقابل، يورد الموقع الإلكتروني ل «الجمعية الأميركية لتقدّم العلوم» أن ذلك الرقم يمثّل ما توصلت إليه «مراكز ترصّد الأمراض والوقاية منها» (مقرها أتلانتا، وتعرف باسمها المختصر «سي دي سي» CDC) التي تعتبر من المراجع البارزة علمياً في شأن الأوبئة. ففي أواخر شهر حزيران (يونيو) الفائت، أبلغت «سي دي سي» هذا الرقم الى «اللجنة الاستشارية عن ممارسات التلقيح»، وهي هيئة حكومية، خلال لقاء مشترك في «أتلانتا» استمر 3 أيام للبحث في ذلك الوباء. وجاء الرقم المليوني بناء لدراسة دقيقة للنماذج الإحصائية عن الوباء، أكّدت أن عدد الإصابات أميركياً يصل الى المليون، ما يفوق في شكل هائل الأعداد الرسمية المعلنة. وخلصت اللجنة الى التوصية بالتركيز على الوقاية من الوباء من خلال التلقيح، على رغم عدم توافر اللقاحات راهناً، مع التشديد على ضرورة تركيز تلك الحملات على المراهقين والحوامل والمصابين بأمراض مزمنة مثل السكري والربو. والمعلوم أن إدارة الرئيس باراك أوباما خصّصت أخيراً 9 بلايين دولار لمكافحة وباء «أتش1 آن1»، ستنفق خصوصاً على شراء للقاحات والأدوية والمستلزمات الطبية في مواجهة وباء سريع الانتشار. وعقب إعلان الرقم المليوني المتصل بالإصابات في الولاياتالمتحدة، عقدت أني سكوشات، مديرة «المركز الوطني (الأميركي) للتلقيح والأمراض التنفسية» مؤتمراً صحافياً، عقب اختتام لقاء «اللجنة الاستشارية...» ومراكز «سي دي سي»، وصفت فيه الرقم الرسمي للإصابات في أميركا (أكثر من 27 ألف إصابة حينها) بأنه أقل من الواقع بكثير، بل أعتبرت أن رقم مليون إصابة قليل أيضاً! وأشارت سكوشات إلى أن معدل عمر المصابين أميركياً هو 19 سنة، في ما يبلغ معدل أعمار الوفيات نتيجة هذا الفيروس عينه 39 سنة الذي يعتبر عمراً يافعاً بالنسبة للوفيات من أوبئة فيروسية. إذن، لنترك النقاش الغرائبي الذي انخرط فيه كثيرون من طريقة تصرف «منظمة الصحة العالمية» في شأن الإعلان عن وصول الوباء إلى مرحلة الجائحة. ولم تتردد مجلة علمية رصينة مثل «ساينس» (عدد منتصف حزيران) في نقد تلكؤ المنظمة في الإعلان عن وصول الوباء الى مرحلة الجائحة، واصفة التلكؤ بأنه نموذج من تمازج السياسة والعلم والديبلوماسية والاقتصاد. لنترك أيضاً تلك النظرية التي أطلقها الاختصاصي الاسترالي أدريان غيبس، عن احتمال ظهور فيروس «اتش1 آن1» (الذي يجمع في تركيبه خليطاً غير مألوف من أنفلونزا البشر والطيور والخنازير الأسيوية والأميركية) بأثر من خطأ في صنع لقاح الأنفلونزا الموسمية (للبشر والدواجن والخنازير) في أحد المختبرات، على رغم أن تلك النظرية حرّكت شهية أصحاب مخيلات «نظرية المؤامرة». لنول إنتباهاً أكبر إلى ما لم يلتفت اليه الإعلام عربياً وعالمياً: أن الدولة الأكثر تقدماً في العلم والإمكانات، لم تفلح في كبح جماح الموجة الراهنة، وأن الأرقام الرسمية الصادرة عنها...ليست موثوقة! وليس من المفهوم أن تعمد دولة بمثل هذه القوة والتقدم إلى ذلك الإجراء. ومن المثير أن يصمت الإعلام العام صمتاً ثقيلاً عن تلك الواقعة. واستطراداً، فإنها تمثّل التحدي الثاني لمبدأ الشفافية الذي رفعه أوباما طويلاً، بعد تراجعه عن الوعد بنشر الصور عن حقيقة عمليات التعذيب التي مورست في «غوانتانامو». أليس مثيراً للقلق غياب الشفافية إلى هذا الحدّ؟ وكيف نستغرب مظاهر عدم الثقة بالعلوم، كحال التشكيك في الهبوط على القمر أو رواج نظريات مؤامرة بصدد انتشار فيروس الخنازير، إذا كانت الأرقام الأولية عن وباء شديد الظهور، تعاني من الضبابية وعدم الانضباط علمياً؟ بيّنت دراسة نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف مدسن»، أن شركة «سي.إس.إل» الأسترالية نجحت في إنتاج لقاح ضد أنفلونزا الخنازير يعطي حماية للبالغين ضد فيروس «أتش1 أن1» بجرعة مفردة. ويأتي الإنجاز الاسترالي ليؤكّد تقارير صدرت الأسبوع الماضي من شركتي «نوفارتيس» السويسرية و «سينوفاك الصينية» عن توصّلهما الى لقاح يعطي حماية من جرعة وحيدة. وأعلنت شركة «سي.إس.إل» أن 15 ميكروغراماً من اللقاح الذي لا يستخدم مادة مستقلة لتحفيز جهاز المناعة، أنها أجرت دراسة على عينة من240 بالغاً، فتحقّقت الوقاية المطلوبة في 95 في المئة منهم. وفي المقابل، أجرت شركة «نوفارتيس» بحوثها، التي كشفت عن نتائجها الأسبوع الماضي، في جامعة «ليستر» البريطانية. وشملت 175 مريضاً. واستخدمت فيها لقاحاً من جرعة وحيدة تبلغ 7.5 ميكروغرامات، ما يعادل نصف جرعة لقاح الأنفلونزا الموسمية التقليدية.