أذهب الى مصر ضمن عملي فلا أعتبر الزيارة عملاً، وإنما نزهة لأنني أحببت مصر صغيراً كبيراً «ولا حدّش سمّى عليّا». شعراء النهضة سبقونا بمئة سنة وأكثر في حب مصر، وقال وديع عقل: «إن الكنانة مهجة / للشرق لا يحيا بلاها». وأمين ناصر الدين قال: «بني مصر أنتم من بني الشرق غرّة / ومصر من الشرق القلادة في النحر». وقال مثلهما سعيد فاضل عقل: «ولكن في مصر رجالا إذا العلى / دعتهُمُ لبّوها فلم يتهيبوا». وله أيضاً: «في مصر قوم عززوا اللغة التي / تناقلها من قبلنا الأب والجد». وسبق كل هؤلاء بعقود ابراهيم اليازجي وهو يقول: «يا مصر قاهرة الدنيا بسطوتها / قد جدد الله في أيامك الأول». قناعتي مطلقة ان مصر ستعود، وسنعود معها. وكان محبوب الخوري الشرتوني قال: «مصر السلام عليك من متلهف / يشتاق وجهك من قديم زمانه». أحاول اليوم، كما فعلت أمس، أن أتجاوز الشعر المشهور أو ما سجلت سابقاً مثل غرام ايليا أبو ماضي بمصر التي رآها «مليكة الشرق ذات النيل والهرم». أقول هذا وأكمل بشعر حفظته صغيراً وبقي معي، هو رثاء الأخطل الصغير سعد زغلول. من مطلعه: «قالوا دهت مصر دهياء فقلت لهم / أغيض النيل أم قد زلزل الهرم قالوا أشد وأمضى قلت ويحكم / أمات سعد أجابوا وانطوى العلم لمْ لا تقولون إن العرب قاطبة / تيتموا كان زغلول أبا لهم إنْ أنَّ أنّت له بغداد وانخلعت / له دمشق وراح البيت يلتطم». وقال وديع عقل بعد تعطيل الحياة النيابية في مصر سنة 1928: «قم سعد تشهد ما دهاها / البغي منتهك حماها يا رب لطفاً بالشقيقة / أو تمت جوعاً أخاها لبنان لا يرضى الحياة / ومصر تدمع مقلتاها». اليوم كل مقلة عربية تدمع في كل بلد، إلا أنني لن أزيد على هموم القارئ فأبقى مع مصر والشعر، ونقولا فياض قال مودعاً الاسكندرية: «يا مصر صنت هواك بين جوانحي / وتركت بعدك مدمعي مبذولا لو لم يكن لبنان فتنة ناظري / لم أتخذ يا مصر منك بديلا». ونافسه مسعود سماحة في القول: «عشقت مصر صبيا / واليوم أعشق مصرا أحن للنيل نهرا / أحن للنيل بحرا». أسعد داغر زايدَ على الجميع وهو يقول: «مصر أم الدنيا كما لقبوها / ليس في الكون مثلها من مكان». وفيها أيضاً: «كل سوري في ربوعك إذ ما / تسأليه يُجب بأجلى بيان مصر عندي عزيزة كبلادي / وبنو مصر كلهم إخواني وثنائي عليك فرضي ونفلي / وحنيني اليك من ايماني». رحم الله شعراء النهضة جميعاً قضوا قبل أن يروا الأحلام تتحول الى كوابيس، والوحدة لا تتحقق، بل تنتكس داخل الوطن الواحد... وكانوا جميعاً اعتقدوا أن القومية العربية تجمع الأديان، فلم يروا كيف أصبحنا الآن. وأعيد هنا تسجيل بيت من الشعر استشهدت به قبل سنة أو نحوها. قال قيصر معلوف: «فليعلم الناس من ترك ومن عجم / بأننا قبل عيسى والنبي عرب». أما عبد الحسين العبدالله فقال: «كل دين في الكون للعرب ديني / كل عادٍ على حماها غريمي». هو لم يعش ليرى أن العادي من أهل البلد. مع ذلك أقول مرة ثانية إن مصر ستنهض من عثارها وسننهض معها. وأكمل بعد يومين أو ثلاثة.