حذّر الشاعر نصر بن سيار من تبعات الكلام وأنها شرارة من شرارات الحرب فقال: أرى خلل الرماد وميض نار - ويوشك أن يكون لها ضرام فإن النار بالعودين تُذكى - وإن الحرب أولها كلام والحديث سيئاً كان أم حسناً يفعل أفاعيله في النفس البشرية سلباً أم إيجاباً، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري: إن من البيان لسحراً! وتاريخ تراثنا العربي خلد لنا سطوراً حيةً من مشاهد ساخرةٍ لاذعةٍ عبثت بها أصابع لغتنا العربية الجميلة، فشغفت بها قلوبنا، وسكرت روعتها أرواحنا. وأروع تلك المشاهد ما حفظ لنا من مهاذرات الأدباء ومزاحهم اللاذع المؤلم لحد الضحك الباكي! فصاحب الأطلال إبراهيم ناجي كان يحمل تصريحاً بالتجول في القاهرة ليلاً بعد حريقها المشهور، وذات ليلة وهو يتجول في أزقتها سار وراءه كلب ضال وحاول ناجي إبعاده دون فائدة فظن ناجي أنه كلب بوليسي وأخرج له التصريح من جيبه، لكن الكلب هجم عليه وعضه! فقال ناجي: إخص عليك! أتاريك كلب جاهل ما بتعرفش تقرأ! وكان يطيب للشاعر حافظ إبراهيم (شاعر النيل) أن يداعب احمد شوقي أمير الشعراء، غير أن أحمد شوقي كان جارحاً في رده على الدعابة. ففي إحدى ليالي السمر أنشد حافظ إبراهيم هذا البيت: ليستحث شوقي على الخروج عن رزانته المعهودة: يقولون إن الشوق نار ولوعة - فما بال شوقي أصبح اليوم بارداً فرد عليه أحمد شوقي بأبيات قارصة قال في نهايتها: أودعت إنسانا وكلبا وديعة - فضيعها الإنسان والكلب حافظ! وذات يومٍ جمع مجلس من المجالس كلاً من الدكتور محجوب ثابت وشاعر النيل حافظ إبراهيم في ضيافة رئيس حزب الوفد الزعيم سعد زغلول، واتفق أن روى الدكتور محجوب حلماً رآه في النوم بقوله: رأيتني راكباً جملاً كبيراً، ومن خلفي عدد كبير من الحمير ثم جاءني رجل ومعه رسالة من كبير فسلمني إياها، فنظر سعد زغلول إلى حافظ إبراهيم وقال له: فسَر يا حافظ؟! فقال حافظ: أما الجمل فهو كرسي النيابة، وأما الرسالة فهي تكليف من أولي الأمر لمحجوب بتولي وزارة الصحة، وأما الحمير فهم أولئك الذين انتخبوك نائباً! أعوذ بالله من شر الهجاء.