تكثر التساؤلات والتكهنات حول مستقبل وسائل الإعلام التقليدية في ظل نجاح منقطع النظير لمواقع التواصل الاجتماعي التي انتشرت في شكل كبير وباتت تجذب الشبان واليافعين، بل أصبحت تلازمهم في دقائق حياتهم على حواسيبهم وهواتفهم النقالة. فهل تستطيع شبكات التواصل الاجتماعي أن تسحب البساط من تحت أقدام التلفزيون والصحف التي احتاجت سنوات للوصول إلى محبيها؟ أثمرت «عولمة» شبكات التواصل الاجتماعي تطوّرات متسارعة وغير مسبوقة في تاريخ وسائل الإعلام. وبالعودة إلى تاريخ وسائل الإعلام التقليدية، احتاج المذياع (الراديو) إلى 38 سنة من أجل الوصول إلى 50 مليون مستمع. وتطلب انتشار التلفزيون في شكل واسع 13 سنة والإنترنت 4 سنوات، وال «أيبود» ثلاث سنوات. أما موقع «فايسبوك» للتواصل الاجتماعي فاقتصرت فترة انتشاره على سنة واحدة فقط. وسجل الموقع، الذي انطلق عام 2004، انتصاراً ساحقاً في فترة قياسية، إذ بلغ عدد مستخدميه 100 مليون شخص عام 2008، وتجاوز العدد البليون مستخدم في تشرين الأول (أكتوبر) 2012. حتى في البورصة في أيلول (سبتمبر) 2012، وبعد دخول «مجلجل» في سوق الأوراق المالية بسعر 38 دولاراً للسهم الواحد، انخفض سعر سهم «فايسبوك» إلى 17.55 دولار، ثم عاد إلى الارتفاع في كانون الثاني (يناير) 2013، بعد نجاح تطبيقات الشبكة الاجتماعية على الهواتف المحمولة. في المقابل، سجل موقع «تويتر» الذي يسمح بتبادل «تغريدات» قصيرة شعبية ساحقة، إذ يستخدمه اليوم أكثر من مئة مليون شخص حول العالم، من بينهم الشبان الذين يرغبون في التعليق سريعاً على مباريات كرة القدم، أو الشبان الإيرانيون الراغبون في التظاهر ضد نظام آية الله خامنئي. وأخيراً، أصبح موقع «يوتيوب» لتحميل أفلام الفيديو أكبر محرك للبحث بعد عملاق البحث «غوغل»، إذ يجري تحميل آلاف ساعات أفلام الفيديو على النت في دقائق معدودة. والسؤال المطروح اليوم: هل ستستطيع هذه الشبكات أن تحل مكان وسائل الإعلام التقليدية، خصوصاً أن وسائل الإعلام هذه أصبحت تستخدم هذه الشبكات لترويج مقالاتها من خلال صفحات مخصصة لها على «فايسبوك» أو «تويتر»؟ أم أن وجودها لن يتعدى كونها مواقع للتواصل الاجتماعي فقط؟ التلفزيون لا يزال... ملكاً يرى الصحافي أيمن خليل أنه «ليس في مقدور شبكات التواصل الاجتماعي أن تحل مكان وسائل الإعلام عموماً والتلفزيون خصوصاً. فثقافة مجتمعنا العربي، مثلاً، لا تزال غير مهيأة لهذا الأمر، ولا يزال التلفزيون مسيطراً كوسيلة إعلام مفضلة يلجأ إليها الناس، وخصوصاً المسنين منهم، لمشاهدة الأخبار. ولا تزال الشبكات (الإلكترونية) تستخدم للتواصل فقط، وليس لاستقاء الأخبار، في شكل كبير. لكن ربما في المستقبل البعيد ستحتل مواقع التواصل الاجتماعي مكان وسائل الإعلام التقليدية، خصوصاً مع تعلق الشبان بها وتحويلها إلى أداة لنشر آخر المستجدات». لكن الصحافي علي حمرة يرى أن شبكات التواصل الاجتماعي «لا تشكل سوى متنفس للناس. فهي منبر شخصي وليس منبراً عاماً، لذلك لا يمكن أن تحل مكان وسائل الإعلام التقليدية. وعلى رغم أنها أصبحت مكاناً لنشر الأخبار والمقالات التي تنشر في الصحف، فإنها لا تلقى الرواج ذاته ولا تلقى الاهتمام والصدقية عينها التي تتمتع بها وسائل الإعلام التقليدية التي لا يمكن الاستغناء عنها». ... لإثبات المهارات؟ يستخدم الشاب عمر الحموي «فايسبوك» على مدار الساعة. ولأنه يعتبر نفسه «صحافياً مستقبلياً»، عمد إلى فتح حساب خاص له على الموقع لينشر فيه أخبار الفرق الرياضية. وهذه الصفحة، وفق رأيه، «هي لبنة مشروع إعلامي رياضي مستقبلاً». ويساعده في عمله صديقان له في المدرسة الثانوية. يروي عمر أنه أصبح يهتم ب «فايسبوك» أكثر من اهتمامه بالتلفزيون الذي يمكن أن يتابع برامجه المفضلة لاحقاً عبر «يوتيوب». ويلفت إلى أن «فايسبوك» لعب دوراً تواصلياً وإعلامياً كبيراً كمحرك للثورات العربية، وهذا ما لم تفعله وسائل الإعلام التقليدية». ويقول الإعلامي ضياء العلي إنه «لا يمكن لشبكات التواصل الاجتماعي أن تلغي دور وسائل الإعلام أو حتى أن تحل محلها». ويعزو ذلك إلى أسباب عدة، منها: اختلاف مجال كل منهما، إذ يبقى مجال انتشار شبكة النت أضيق من مجال البث التلفزيوني الواسع وتنوع الفضائيات وتنافسها في جذب المتابعين. وكذلك بالنسبة إلى تنوع الجمهور المتلقي، فكثير من طبقات المجتمع غير موجودة ضمن شبكات التواصل أصلاً، مثل الكثير من المسنين وذوي الثقافة المتدنية، خصوصاً في التكنولوجيا الحديثة. ويرى العلي أن «العامل الاقتصادي يلعب دوراً مهماً في ذلك، إذ يتوافر التلفزيون في غالبية المنازل، بخلاف الكومبيوتر والنت. وحتى اليوم، ترجّح كفة الصدقية والثقة لمصلحة الإعلام القديم. لكن بالنسبة إلى الاتصالات، لا ننكر أن الشبكات الاجتماعية وفّرت المال والوقت والشروط الأفضل للاتصال بالصوت والصورة والكلمة المكتوبة». لكن «لا يمكن أن تحل شبكات التواصل الاجتماعي مكان وسائل الإعلام التقليدية، لأن المتلقي يختار بنفسه على شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة الأخبار التي يريد تلقيها، وميول هذه الأخبار وتوجهها. وبذلك، فإنه يبقى في حاجة إلى التوجه إلى الإعلام التقليدي الذي يؤمن له الأخبار المتنوعة (سياسة، اقتصاد، رياضة) والمتعددة التوجهات»، وفق تعبير الباحث عامر سلام الذي يستطرد: «صحيح أن بعض الصحف أصبحت تنشر أخبارها على حساباتها الخاصة على «فايسبوك»، فإن هذه الصحف ستقع عاجلاً أم آجلاً في فخ نقص الإيرادات والتبعية لنمطيات القراء، لأنه من المستحيل أن تنشر هذه الصحف كل المقالات مجاناً ... وإلى ما لا نهاية».