لجأ بعض الدول العربية التي تشهد ثورات داخلية على أنظمة الحكم فيها، إلى منع وصول الإعلاميين العرب والأجانب، إلى موقع الحدث... لئلا يشهد هؤلاء على أساليب القمع الوحشي الذي يتعرض له المواطن الأعزل، وينقلون صور إراقة الدماء إلى العالم. وهكذا بقي المواطن وحيداً في ساحة الحدث، فيما لم يعد أمام الصحافيين والعاملين في القنوات الإخبارية التلفزيونية سوى مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على المعلومات والأخبار والصور. وكان لموقعي «فايسبوك» و»توتير» الشهيرين الدور الأكبر والأكثر فاعلية في تحرك الشارع في الدول العربية المضطربة. فملايين البشر أصبحوا يتصفحون هذين الموقعين الالكترونيين في كل ثانية. والملايين ينشئون صفحاتهم الخاصة عليهما، على رغم أن عمرهما لم يتجاوز الستة أعوام فقط. إنهما يتربعان الآن على عرش «الإعلام البديل» حيث ينتقل ما ينشر عبرهما الى كل المجتمعات البشرية حول العالم بفئاتها المختلفة. ويعتبر إعلاميون كثر أن دور الموقعين الاجتماعيين كبير تحديداً في انتشار الأخبار بسرعة بين الناس، وإن اختلفت صدقيتها في كثير من الأحيان، ما يؤشّر إلى سحبهما البساط الذهبي من تحت محطات التلفزة الإخبارية التي لجأت مُرغمة الى فتح صفحات لها على «فايسبوك» و»تويتر» لتنشر أخباراً وتقارير إخبارية حصلت على كمّ لا بأس به منها، بواسطة هذه المواقع. الجودة أم نقل الحدث؟ فرض نقل الخبر والسباق المحموم بين الإعلامَين التقليدي والبديل على محطات التلفزة التضحية بجودة الصورة، لنقل الخبر. فلم يعد ممنوعاً بث صور بنوعية رديئة إن كانت هي الوحيدة الشاهدة على الحدث. توماس غلوسر، المدير التنفيذي لمؤسسة «تومسون - رويترز»، يقول: «لو كان الصحافي في مكان حادثة ما، من دون كاميرا محترفة فعليه أن يستخدم أي وسيلة للحصول على الصورة ولو كانت كاميرا موبايل». ذلك أن الأهمية هي في الحصول على الخبر ونقله. ولكنه يشدد على «التأكد من صحة الخبر». ولكن كم من الوقت يمضي الصحافي في البحث عن صحة الخبر؟ ألا يعتبر ذلك تضحية بسبق صحافي؟ وترى إنجي القاضي، وهي صحافية في قناة «العربية» الفضائية برز اسمها في تغطية «ثورة 25 يناير» (كانون الثاني) في مصر، أن النظام المصري السابق هو من أفسح من دون قصد ساحة كبيرة ل «فايسبوك» و»تويتر». وتوضح انه «حين انقطع الانترنت في مصر وعانى مراسلو الكثير من الفضائيات التضييق في تغطية التظاهرات... أدركت أكثر من أي وقت مضى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في الحصول على الأخبار. ولكن لا يمكن الوثوق بها، خصوصاً الأخبار التي تحوي أرقاماً. فأحياناً كنا نجد أخباراً مثل مقتل عشرة اشخاص في اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين. مثل هذه المعلومات لا يمكن الاعتماد عليها من موقع اجتماعي لا يعرف غالبية من يكتب فيه أدبيات الكتابة الإعلامية». لكن القاضي تعتبر أن نجاح «ثورة 25 يناير» أثبتت مدى قوة الإعلام البديل، مقارنة بالإعلام التقليدي في نقل الصورة كما هي وفي شكل أسرع. وتقول: «كانت كاميرات الهواتف المحمولة أسرع من كاميرات التلفزيون في أماكن كثيرة. ولم تكن أجهزة الإعلام التقليدية هي الجهة الوحيدة التي اعتمدت على أفلام مصورة منتشرة عبر المواقع الاجتماعية, بل ان لجنة تقصي الحقائق في أحداث الثورة وجهّت نداءً عبر صفحتها على «فايسبوك» تطلب ممن لديه أفلام أو شهادات عن قتل المتظاهرين افادتها بها». وبالتالي، لا يمكن التقليل من قوة الإعلام المجتمعي وسطوته. ولكن الصحافي، وإن كان محترفاً، قد يقع أحياناً في أخطاء لا تبررها سوى الرغبة في نقل الخبر بسرعة، بغية مجاراة ما يحدث على صفحات «فايسبوك» و»تويتر». وكأن الإعلام التقليدي «يلهث» في سباقه مع الإعلام البديل. وتقول القاضي: «هناك اشاعات وأخبار تنتشر بسرعة كبيرة عبر هذه المواقع, لذلك لاحظنا على سبيل المثال، ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأجهزة حكومية أخرى لجأت إلى إنشاء صفحاتها الخاصة على «فايسبوك». فلم تعد تلك الجهات تنفي وتؤكد او تنشر بعض الأخبار عبر أجهزة الاعلام التقليدية فحسب، بل أيضاً في الإعلام المجتمعي». التلفزيون الرسمي لم يكن التلفزيون الرسمي حاضراً في تغطية الاحتجاجات التي حدثت في بعض الدول العربية. والحديث هنا لا يشمل التلفزيون الرسمي المعني بأحداث بلده، كالمصري والتونسي مثلاً. الحديث هنا عن التلفزيونات الرسمية البعيدة التي دُفعت الى تغطية أحداث كانت غطت شاشات العالم وتصدّرت عناوين الصحف بعدما بدأت أصلاً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي. يرى جرير دبابنة، مذيع أخبار ومقدم برامج حوارية ومعد تقارير ميدانية في التلفزيون الأردني، أن التلفزيون الرسمي بدأ - ولو متأخراً - يأخذ في الاعتبار مصادر كان يتجاهلها سابقاً. ويقول: «قبل ثورات ال «فايسبوك» الأخيرة، كان الإعلام الرسمي يتجاهل تلك المواقع، وهذه ليست بالمُعضِلة، لأنه لم يكن على عِلم بفِعْلِه. أما الآن, فالمصيبة أعظمُ، فهو لم يَتّعِظ كلياً من تجربةِ نظيره المصري والتونسي, وما زال مُصِراً على التبعية العمياء للأنظمة والحكومات».