رويترز- بشواطئ خلابة ومياه لازوردية هادئة وشعاب مرجانية وأسماك ملونة تسحر الرائي، وشمس ذهبية تشع دفئاً وجمالاً، تغفو منتجعات البحر الأحمر المصرية في انتظار وصول السائح الغربي، ليمنحها قبلة الحياة. وبعد أن كانت تستقبل ملايين السياح كل عام، تعرضت المنتجعات السياحية في البلاد لضربة موجعة، حين نصحت حكومات أوروبية مواطنيها بعدم السفر إلى مصر لقضاء العطلات، بسبب أعمال العنف التي اندلعت في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، بعد أن عزل الجيش الرئيس الإسلامي محمد مرسي. دفع التحذير بعض شركات السياحة الأجنبية إلى وقف جميع رحلاتها إلى مصر، وهو ما وأد انتعاشاً مؤقتاً لقطاع كان يسهم بنحو 11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي قبل انتفاضةٍ أطاحت بالرئيس حسني مبارك في 2011. وهوى دخل مصر من السياحة إلى 1.67 بليون دولار في الربع الثاني من العام بانخفاض 663 مليون دولار عن الفترة نفسها من العام الماضي بحسب بيانات البنك المركزي. الفنادق الخاوية وعلى رغم أن المقاصد السياحية على البحر الأحمر ظلت بمنأى عن أعمال العنف والاحتجاجات التي تشهدها القاهرة في صفة أساسية ومدن أخرى، فإن تحذير الدول الغربية من السفر إلى مصر أدى إلى تهاوي أعداد السياح وحرمها من شريان الحياة. وتظهر بيانات شركة إس.تي.آر غلوبال لأبحاث الفنادق أن معدل الإشغال في منتجعات البحر الأحمر تأثر بشدة في أغسطس، نتيجة حظر السفر، وهبط إلى أدنى مستوى له في أربعة أعوام. ولم يشغل الزائرون سوى 48.8 في المئة من غرف الفنادق في أغسطس آب، مقارنة مع 65.2 في المئة في الشهر نفسه من العام الماضي، ومع 74.8 في المئة في أغسطس آب 2010، وفقاً لشركة إس.تي.آر. في الغردقة التي تضم 166 فندقاً هوت نسبة الإشغال إلى نحو 20 في المئة، بسبب غياب السائح الأجنبي. ووفقاً لكريم محسن العضو المنتدب لشركة سيلفيا تورز السياحية، فقد أغلقت 50 في المئة من فنادق الغردقة أبوابها، لعدم وجود سياح أجانب. وقال محافظ البحر الأحمر أحمد عبدالله ل«رويترز»: «لدينا أكثر من 50 ألف غرفة فندقية في الغردقة، ونسب الإشغال الحالية نحو 11 ألف غرفة. هدفي الآن هو إشغال بقية الغرف كاملاً». لكن حال الفنادق هناك يظل أفضل منه في القاهرة والأقصر وأسوان في جنوب مصر. وفي الأقصر وجد مراسل «رويترز» أن هناك ستة نزلاء آخرين فقط غيره في فندق ونتر بالاس الفخم المؤلف من 200 غرفة، وعند المدخل وقفت ناقلة جنود مدرعة، تحرس الفندق الذي يعود عمره إلى 100 عام. وكان معبد الكرنك الهائل الذي يعج عادة بالسياح شبه خاوٍ. وقال المرشد السياحي في معبد رمسيس الثاني، إنه لم تصل أية حافلة سياح منذ ثلاثة أشهر، ولم يستقبل المكان سوى مجموعات متفرقة من 5 إلى 10 زوار. يقول ناصر حمدي رئيس الهيئة المصرية العامة لتنشيط السياحة ل«رويترز»: إن نسب إشغال الفنادق في الغردقة وشرم الشيخ تبلغ الآن نحو 20 في المئة، مقارنة بين 5 و6 في المئة بالقاهرة و1 و2 في المئة بالأقصر وأسوان. وينتقد محسن من «سيلفيا تورز» تحذير الدول الغربية لرعاياها من السفر إلى مصر، قائلاً: «لا يوجد سبب لفرض دول العالم حظر سفر على مصر، الحظر يعاقب الشعب المصري كله». ولا تقف المعاناة عند الفنادق، وإنما تمتد إلى قطاعات أخرى، تعيش على السياحة مثل البازارات. يقول جمال حسين الذي يعمل في بازار سياحي: «بالتأكيد تأثرنا بشدة، إذ ندفع إيجارات، ووراءنا مسؤوليات، هناك أيام لا نبيع فيها بجنيه واحد». وتكشف جولة سريعة في بعض فنادق الغردقة عن أن معظم السياح من بريطانيا التي استثنت منتجعات البحر الأحمر من تحذير رعاياها من السفر إلى مصر. بيد أن مصر لم تقف مكتوفة الأيدي أمام أزمة السياحة التي تلقي بظلال قاتمة على اقتصاد واهن بالفعل يسعى إلى التعافي. وانطلق وزير السياحة هشام زعزوع في جولات شملت روسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، سعياً إلى استئناف الرحلات السياحية لمصر. أول الغيث قطرة يبدو أن الزيارات بدأت تؤتي بعض الثمار، إذ قال محافظ البحر الأحمر إن أعضاء وفد روسي زار الغردقة الأسبوع الماضي، للتعرف على الوضع، أبلغوه أنهم تأكدوا أن الأمور طبيعية في الغردقة، وأنه سيبدأ تسيير الرحلات من روسيا إلى الغردقة وشرم الشيخ خلال هذا الأسبوع. وقالت المديرة التنفيذية لرابطة وكلاء السياحة الروس مايا لوميدزه إن 10 آلاف سائح روسي مستعدون لزيارة الغردقة فوراً، إذا وافقت الحكومة الروسية على إلغاء حظر السفر إلى مصر، وإن العدد قد يصل إلى 100 ألف خلال شهر واحد. وبدا المحافظ متفائلاً، وهو يقول: «سنصل إلى نسب إشغال تامة في أكتوبر بإذن الله مع إجازة عيد الأضحى وعودة السياحة الروسية والألمانية». وقالت وزارة السياحة المصرية هذا الأسبوع إن هولندا وبلجيكا والسويد وجمهورية التشيخ قررت رفع حظر السفر. وجاءت الرياح أيضاً بما تشتهي السفن، فقد غيرت الحكومة الألمانية أمس نصيحتها، ولم تعد تطالب السائحين بالامتناع عن زيارة مصر كلياً، واكتفت بمطالبتهم بتوخي الحذر، ويشمل ذلك الرحلات لمنتجعات البحر الأحمر. وأعقب ذلك على الفور إعلان شركة توي الألمانية التابعة لتوي ترافيل أكبر شركة سياحة في أوروبا استئناف الرحلات لمصر. كانت شركات سياحية من بينها توماس كوك ألمانيا أعلنت الأسبوع الماضي عزمها استئناف الرحلات مع اقتراب فصل الشتاء، حتى قبل أن تغير الوزارة نصائحها في شأن السفر إلى مصر. وقالت توماس كوك إن الوضع في مصر تحسن خلال الأسابيع القليلة الماضية، وإن منتجعات البحر الأحمر التي تجتذب محبي الشواطئ والغطس «هادئة». ويقول بعض العاملين في السياحة أن التغطية الإعلامية لأعمال العنف مسؤولة جزئياً عن الأضرار بالصناعة، بخاصة أن التحذير الغربي من السفر إلى مصر جاء بعد مشاهد القتل التي نقلتها قنوات التلفزيون في منتصف أغسطس أثناء فض اعتصامين لمؤيدي الرئيس المعزول في القاهرة.