قلّة هم الذين قرأوا الكاتب المصري المقيم في نيويورك حسام فخر الذي تتميز كتاباته ب «خفة الظل» وبأسلوب سهل تتطلبه القصص القصيرة والرواية القصيرة. إبن أخت الشاعر صلاح جاهين، من الكتّاب الكثيري العمل والقليلي الكلام والتسويق لنفسهم. إنها المرة الأولى يأتي بها مدير قسم الترجمة الفورية في منظمة الأممالمتحدة في نيويورك، الى بيروت بدعوة من «الجامعة اللبنانية - كلية الترجمة» حيث ألقى أربع محاضرات وشارك في مؤتمر حول الترجمة. ولكن ليس عجباً إن كنا لا نعرف هذا الكاتب الذي أثار حماسة المفكر المصري جلال أمين عندما تعرّف الى إنتاجاته في 2007. كان فخر حينذاك أحد المرشحين ل «جائزة ساويرس» التي تمنح لأفضل رواية مصرية وأفضل مجموعة قصص قصيرة. وكان جلال أمين عضواً في لجنة التحكيم، ولفتته مجموعة «وجوه نيويورك» ل «كاتب لم أكن قرأت له شيئاً من قبل، ولا حتى سمعت باسمه هو حسام فخر». وكتب مقالاً بعنوان: «حسام فخر: عبقرية جاهينية جديدة» نسبة الى أسرة جاهين المعروفة. ومن ثم نال فخر الجائزة عن استحقاق. واليوم كان الفضل في التعرف اليه للروائية رشا الأميرة التي أقامت لقاء معه ضمّ صحافيين وكتّاباً، وجاء في سياق الاحتفال ببيروت عاصمة عالمية للكتاب. أصدر فخر الذي ترك القاهرة عام 1982 الى مدينة أحلامه نيويورك أربع مجموعات قصصية هي: «البساط الأحمدي» (1985، دار الأهرام)، «أم الشعور» (1990، الهيئة المصرية العامة للكتاب)، «وجوه نيويورك» (2004، دار ميريت)، «حكايات أمينة» (2007، دار ميريت). وله روايتان هما: «يا عزيز عيني» (2006، دار ميريت)، و «الآخر» (2008، دار العين). يتناول فخر في روايته القصيرة الأخيرة التي أثارت ردود فعل كبيرة في مصر، أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) وتداعياتها، ويعبر بسخرية ناقدة عن أوجاع النفس البشرية متناولاً العنصرية الصهيونية وسجن غوانتانامو وأوهام الإمبراطورية الأميركية. تدور أحداث «حواديت الآخر» في مدينة النحاس، التي يهاجر الراوي إليها هارباً من حزن أبويه بعد موت شقيقيه، وكان قرّر أن يقتلهما ليخلصهما من الألم، لكنه تراجع لحظة التنفيذ، فخرج من المنزل ولم يرجع إليه أبداً. وفي مدينة النحاس المتطورة علمياً، يعيش البطل حالة انفصام، فيبتكر الكاتب حيلة فانتازية في الرواية ليرمز الى هذه الحالة من الاغتراب. وحيلته أن السجون في هذه البلاد المتطورة علمياً لا تحبس الأجساد، بل ابتكر علماؤها طريقة لسجن الأرواح وترك الأجساد طليقة. «نستأصل فيها الروح ونسجنها لدينا، ونترك الجسد حراً يعيش في بيته ويتحمل نفقاته بنفسه، وعندما يحل موعد الإفراج، نعيد زرع الروح فيه، مع التشديد على الحق القانوني والدستوري للسجين في زيارة روحه مرة كل شهر، وعلى أن يخضع السجين الى كشف سنوي للتأكد من أن جسمه لم يصنع روحاً جديدة». تتناول بقية الفصول رحلة الراوي لاسترجاع روحه، أو التمكن من إعادة غرسها في جسده، وهي رحلة مريرة تعكس أزمة انفصام الذات ورفض الهوية. ويقول الراوي في إشارة الى وطنه الأم: «أنا في الأصل من مدينة بعيدة، كلما كبر حجمها قلَّ شأنها وضاعت هيبتها، حتى أصبحت أخجل من ذكر اسمها». في ختام الرواية يقول «الأنا» للآخر: «كل مرة اقتحمت فيها حياتي ارتبكت أموري واختلطت مواعيدي ونكثت بوعودي وخربت علاقاتي بكل البشر، لكنني أحببت الحواديت وسعدت بسماعها، وأعتقد أنه لا يزال عندك الكثير منها». «لم تعد نيويورك مدينة أحلام فخر التي ذهب إليها «لينهل من مخزونها وزادها الثقافي والإنساني، وليوسّع آفاقه ويزداد عمقاً ويُزوّد أعماله اتساعاً»، كما يقول ل «الحياة»: «كانت نيويورك الذروة وصارت مدينته، لذا قرّر العيش فيها. ويعتبر الرجل الأسمر النحيف أن القاهرة التي ترعرع وعاش شبابه فيها، «لا تكفي لأرى وأعيش التنوع الثقافي، ولا حتى أي بلد عربي يكفي لذلك». عن أسلوبه في الكتابة، يقول: «لست من هواة القواعد الصارمة في الأدب. الشكل الذي يخدم المضمون هو الأفضل في نظري. أفكر بالكلمات أو بأي ضمير ستكون قصتي. فلحظة الكتابة هي اللحظة التي يقترب فيها الإنسان من الحرية الكاملة». ويقول إن إخضاع لحظة الكتابة للقواعد والنظريات، إضافة الى الرقابات الداخلية والخارجية، يُفقدها بهجة الحرية. وكما في حديثه، يعتمد فخر اللغة المتقشّفة في كتاباته. فقصصه تتميز بعدد قليل من الكلمات وكثافة في الدلالات والمعاني. عندما بدأ الكتابة في الثمانينات، كان مهووساً بيوسف إدريس وغوغول، وكان مثله الأعلى تشيكوف، خصوصاً تلك القصة المشهورة التي كتبها بالروسية بسبع وعشرين كلمة فقط. «كان حلمي وهدفي أن أصل الى هذه الدرجة من الكتابة المتقشفة لأكتب قصصاً قصيرة جداً، وهناك قصة في مجموعة «البساط الأحمدي» من هذا الجو». ما زال الأدب العربي ولغة الضاد التي كتب فيها، يجذبانه ويثيرانه شأنهما شأن أي أدب عالمي آخر يقرأه. لكن التركيز والغرق في القضايا السياسية «يزعجني جداً». ويُبدي فخر تفاؤله بالكتّاب المصريين الشباب والمخضرمين الذين لا يكتبون للنخبة فقط و «لا يستعرضون عضلاتهم اللغوية»، مثل علاء الأسواني وخالد الخميسي وغيرهما. ويشير الى أن «ما أبعد الناس عن القراءة في السنوات الماضية، خصوصاً في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، هو استعراض العضلات اللغوية ونفور الكتّاب من فكرة أن تكون القراءة أداة متعة أو تسلية». ويفيد أن القارئ غير المتخصّص يريد كتاباً يسليه وليس كتاباً يُشعره بالنقص وبالجهل. أما عن الأفكار، فيرى أن هناك جرأة على اقتحام مجالات في الأدب العربي حالياً ما كان يمكن أن نتصوّر أن يعتمدها أحد قبل خمس عشرة سنة. وقد يكون انتشار الانترنت في شكل واسع وظاهرة المدوّنات الإلكترونية التي لا رقابة عليها، وسّعا هامش الحرية المطلوبة للارتقاء بالكتابة. وينتقد فخر لغة غالبية المدوّنين لكونها محدودة وليست فصيحة أو أدبية، لكنه متفائل ولو بحذر بالموضوعات والأفكار التي تتبناها هذه المدونات. ولماذا الحذر؟ يجيب فخر: «إن الظروف التي عشناها تجعل التفاؤل الكبير يؤدي الى خيبة أمل تساويه حجماً».