الحكايةُ بدأت حين فتحت تركيا بوابتها الحدودية مع سورية في مدينة رأس العين فجر يوم 8/11/2012 فدخلت كتائب مسلحة، بعضها تابع للجيش الحر وبعضها الآخر إسلاميَّ وهاجمت مقار تابعة للمخابرات السورية كان فيها ستة عشرَ عنصراً من الأمن العسكري. معركة واحدة كانت كفيلة بأن يسيطر الجيش الحر على مفرزة الأمن العسكري في المدينة، وغنم حينها الكثير من الأسلحة والذخيرة لتشنَّ بعدها طائرات النظام غارات عدة على المدينة التي خرج أهلها في ليلة واحدة الى تركيا أو إلى المدن الكردية المجاورة مثل الدرباسية والقامشلي. ليبدأ بعدها فصل جديد من المواجهات بين هذه الكتائب وبين وحدات حماية الشعب الكردية المرتبطة أيديولوجياً بحزب العمال الكردستاني. البوابة الحدودية مع تركيا كانت تحت سيطرة كتيبة «غرباء الشام» ومنها كانت تأتي الذخيرة والدعم اللوجستي ومنها أيضاً يخرج المقاتلون المنسحبون وكذلكَ يدخل منها الفاتحون الجدد. وارتبط اسم تركيا بدعم الثوار إلا أن هؤلاء الثوار ما كانوا إلا كتائبَ إسلامية بايعت في ما بعد إما «جبهة النصرة» أو تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). المواجهات في المدينة كانت هي الأولى في سورية بعد عام 2011 كونها تُعتبَر أولى المواجهات المسلحة ليس بين النظام والمعارضة إنَّما بين المعارضة ومقاتلي وحدات الحماية الشعبية الكردية والتي لاقت دعماً من كرد سورية، فخرجت وحدات حماية الشعب من حربها في رأس العين منتصرة. أتذكّر مقولة تفوَّهَ بها أحد القادة الميدانيين: دخلنا حرب رأس العين بسيارة واحدة تحمل (الدوشكا) وخرجنا منها بدباباتٍ وراجمات. وحدات حماية الشعب ارتباط «وحدات حماية الشعب» ب «حزب الاتحاد الديموقراطي» ومع حركة المجتمع الديموقراطي ارتباط إيديولوجي وليس تنظيمياً فجميعهم يتبنّون إيديولوجية عبد الله أوجلان الزعيم الكردي المعتقل في سجن (إيمرلاي) التركي، ونظريتهم في الأزمة السورية هي أن الأزمة ستطول أعواماً وإنَ الثورة لن تلبث أن تتحول إلى صراع على السلطة ومن ثم ستتحول إلى صراع طائفي مذهبي، لذا فهم الطرف الثالث أي القوة الثالثة أو كما يسمون أنفسهم الخطّ الثالث بمعنى أنهم ليسوا معارضة ولا نظاماً. وحدات حماية الشعب حاربت على مستويات عدّة فاعتبرت أن المناطق الكردية السورية لا يجب أن تكون فيها قوتان عسكريتان كرديتان، فمارست الضغوط كي تمنع أحزاب المجلس الوطني الكردي من تشكيل أجنحته العسكرية المدعومة من مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق تحت سقف الائتلاف السوري المعارض، ومن جهة أخرى فإنها حاربت «الجيش الحر» و «جبهة النصرة» و«داعش» في ما بعد كي لا تدخل الى مناطق سيطرتها. وحدات حماية الشعب الكردية خرجت من حربها في رأس العين منتصرةً ليس فقط على «جبهة النصرة» التي كانت آنذاك أقوى الفصائل المسلحة في سورية، بل وخرجت منتصرة في تأكيد نظريتها بأن الكرد في سورية ليسوا جيشاً حراً كما أنّهم ليسوا مع نظام بشار الأسد. نشوة النصر في رأس العين أعطت ال YPG قوة وثقلاً في المجتمع الكردي. كان مقاتلو حزب العمال الكردستاني في بادئ الأمر من السوريين والمتواجدين في جبل قنديل في كردستان العراق، المدربين جيداً خلال صراعهم مع تركيا. ولاحقاً زادت المكتسبات وسيطرت الوحدات الكردية على مدن الجزيرة، باستثناء القامشلي والحسكة، وعلى كوباني وعفرين وعلى مدينة رميلان النفطية. وتطلَّب الأمر توافد المقاتلين من حزب العمال الكردستاني وهذا ما كان يروق لتركيا بالفعل، أي الانسحاب من الجبل الى السهل وهنا بدأ الفصل الثاني من المخطط التركي. سنجار والموصل سيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على الموصل واتجه الى جبل سنجار حيث الآلاف من الإيزيديين، وقامت وحدات حماية الشعب الكردية ومقاتلو حزب العمال الكردستاني بفتح ممرات آمنة لإجلاء عشرات الآلاف من الإيزيديين من جبل سنجار ما أعطى الحزب سمعة دولية جيدة. التحالف الدولي ضد «داعش» تشكّل وبسرعة حين اقترب الخطر من أربيل. استغربت تركيا التحرك الأميركي السريع لنصرة كرد العراق، إلا أن «داعش» أزال الحدود بين سورية والعراق و ال YPG تدخّل في شكلٍ مباشر في عمق الأراضي الكردية العراقية والمئات من المقاتلين من حزب العمال الكردستاني نزلوا مرة أخرى من الجبل وقاتلوا دفاعاً عن إقليم كردستان العراق في أربيل وطوز خورماتو وخانقين وجلولاء ومخمور وكركوك. تركيا جارة البارزاني لم تنتصر له في حين إن إيران أرسلت بالفعل قواتاً الى كردستان العراق. سنجار والموصل استقدمتا المقاتلين من حزب العمال الكردستاني فباتت الجبهة التي يقاتلون فيها تمتد أكثر من 2000 كيلومتر ونجحت تركيا في جرّ النمر الكردي الى السهل المنبسط ودعمت «داعش» كي تنهك قواه ومن ثم يدخل أوجلان في مفاوضات السلام مُجرَّداً من سلاحه أو منهكاً في أحسن الأحوال. التحالف الدولي يخلط الأوراق التركية نصرة الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية السريعة لكردستان العراق فاجأت تركيا وخلطت أوراقها فاستعجلت الأخيرة زجّ «داعش» في حربٍ ضروس مع وحدات حماية الشعب الكردية. في البداية كان اختيار «داعش» بلدة جزعة لتجعلها بوابتها لدخول (رميلان) الحقل النفطي منطلقة من قاعدتها العسكرية في تل حميس المفتوحة على عمقها العراقي (الموصل ) والسوري (ريف الحسكة ودير الزور والهول)، استمر القتال ثلاثة عشر يوماً لم تستطع «داعش» خلالها حسم المعركة بل تراجعت وخلفت وراءها مئات القتلى و الجرحى. سرعان ما أدركت تركيا أن «داعش» ارتكبت خطأً فادحاً في اختيار أرض المعركة وربما همست أن جزعة كانت في أرض قاطنيها من عرب الجزيرة وفيها عشيرة الشمر أكبر القبائل العربية المتحالفة مع ال YPG، وجزعة بالنسبة إلى ال YPG تملك عمقاً كردياً مثلما تملك «داعش» عمقها العراقي - السوري. معركة كوباني كوباني محاصرة منذ أكثر من عام من قبل تركيا شمالاً، و«داعش» من بقية الجهات، في أرض توفر المعركة الأفضل لتركيا أولاً ول «داعش» ثانياً . لكن حدث أن كوباني فاجأت تركيا و«داعش» معاً وحازت المزيد من التأييد الكردي والدولي وطائرات التحالف تقصف محيط كوباني في شكل جديّ في رسالة أميركية واضحة فحواها أنها لن تسمح بسقوط المدينة.