اصطف الآلاف وهم يتشحون بالأعلام الكردية في شوارع اربيل؛ لتشجيع قافلة عسكرية متجهة الى بلدة سورية حدودية لم يكن اسمها شائعا من قبل، وهي الآن محور حرب عالمية ضد داعش. كان رجال قوات البشمركة العراقية في طريقهم الى مساندة اخوانهم الأكراد في الدفاع عن عين العرب "كوباني" السورية، في معركة اكتسبت أهمية كبيرة في الحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة "لإضعاف وتدمير" التنظيم المتشدد. ولم يتضح ما اذا كانت فرقة البشمركة الصغيرة هذه والمسلحة جيدا ستكون قادرة على تغيير ميزان المعركة، لكن إرسال هذه القوات العراقية الى ساحة المعركة هو إبراز لوحدة الجماعات الكردية التي حرصت في احيان كثيرة على اضعاف بعضها البعض. وتشكلت هذه الجبهة المتحدة بعد ان ظهر الأكراد كأكثر شريك يثق فيه الغرب، وله فاعلية على الارض في كل من العراقوسوريا. لكن الحفاظ على هذه الوحدة قد يكون صعبا؛ نظرا للتنافس على زعامة أكراد العالم الذين يزيد عددهم عن 30 مليونا، غالبيتهم مسلمون سنة، لكنهم يميلون الى تحديد هويتهم على أساس العرق لا الدين. وعمدت حكومات الدول الأربع التي يتوزع فيها الأكراد وهي العراقوسوريا وتركيا وايران الى استغلال التناحرات الكردية الداخلية لإجهاض تطلعهم الى الاستقلال. وقال أيوب شيخو الذي فر من كوباني الشهر الماضي ويعيش الآن في مجموعة من الخيام نصبت مؤخرا في معسكر للاجئين في اقليم كردستان العراق: "كلنا نريد للشعب الكردي ان يتحد. اذا لم نتحد سيدوسنا الجميع". وقال فؤاد حسين كبير الأمناء في مكتب رئيس كردستان العراق مسعود البرزاني لرويترز: ان داعش أسقطت الحدود. وأضاف: "إنها نفس المنظمة الإرهابية التي تهاجم خانقين وجلولاء في الموصل وكركوك (العراقيتين)، وأيضا كوباني (السورية)، وهذا ولد شعورا بالتضامن بين الأكراد". ويبرز ارسال البشمركة العراقية الى كوباني السورية مستوى من التعاون غير المسبوق تجلى بين الجماعات الكردية متخطيا الحدود، بعد ان اجتاح داعش ثلث أراضي العراق هذا الصيف وأعلن قيام الخلافة الاسلامية في المناطق التي سيطر عليها هناك والمناطق التي سيطر عليها في سوريا مسقطا الحدود. وحين استهدف داعش كردستان العراق في اغسطس هبط مقاتلون من حزب العمال الكردستاني التركي من قواعدهم في الجبال الواقعة على الحدود التركية العراقية للمساعدة في صد الهجوم. وفي نفس الوقت تقريبا عبر مقاتلون من جماعة كردية سورية بزغ نجمها خلال الحرب الأهلية في سوريا - هي وحدات حماية الشعب - الحدود ودخلوا العراق لإنقاذ آلاف من الاقلية اليزيدية من الموت على ايدي مقاتلي التنظيم الإسلامي المتشدد، الذي اخترق دفاعات البشمركة العراقية. كما حارب أيضا أكراد ايران الى جانب قوات البشمركة العراقية داخل اقليم كردستان العراق. وقال هنري باركي المسؤول السابق بالخارجية الامريكية الذي يدرس الآن في جامعة ليهاي الامريكية: "الاكراد الآن متحدون أكثر من أي وقت، وحتى لو تراجعوا بضع خطوات سيظل وضعهم أفضل مما كانوا عليه قبل ستة اشهر. خلاصة كل هذا هو تعزيز الهوية الوطنية الكردية". وإذا قُدّر لكوباني ان تسقط، يقول المسؤولون في كردستان العراق: انهم يخشون من سقوط متتابع لمنطقتين كرديتين أخريين في سوريا، وهو ما سيؤدي الى موجة نزوح جديدة للاجئين الى أراضي الإقليم العراقي شبه المستقل الذي يجاهد بالفعل لاستضافة أكثر من مليون نازح شردهم العنف داخل العراق. كما سيرفع سقوط كوباني من الروح المعنوية لمقاتلي داعش في العراق، حيث بدأت قوات البشمركة تكسب أرضا في الشمال منذ ان بدأت الولاياتالمتحدة تشن غارات جوية في اغسطس. ورغم ذلك يتساءل البعض لماذا تحارب قوات البشمركة في الخارج وهي ما زالت تعاني ضغوطا في الداخل، وعليها ان تستعيد كل هذه الاراضي التي فقدت السيطرة عليها؟ وأحبط حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب محاولات البرزاني المتكررة لمد نفوذه عبر الحدود الى داخل الأراضي السورية، وبدت الأحزاب الكردية السورية الأخرى المنافسة لحزب الاتحاد الديمقراطي التي يدعمها البرزاني خارج السياق. وقالت وحدات حماية الشعب: انها تنسق الغارات الجوية مع الجيش الامريكي خلال حملة كوباني، لكن العلاقات بين الأكراد العراقيين والسوريين حساسة. فبعد ان تدرب مئات الأكراد السوريين تحت رعاية البرزاني في شمال العراق، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي السماح لهم بالعودة الى سوريا، قائلا: إن جناحه العسكري - وحدات حماية الشعب - هو القوة المسلحة المشروعة الوحيدة. وفي المقابل منع زعماء حزب الاتحاد الديمقراطي من دخول كردستان العراق. وفي وقت سابق من العام حفرت حكومة الإقليم خندقا بطول الحدود مع سوريا، قائلة: انها تخشى تسلل مقاتلي داعش. لكن حزب الاتحاد الديمقراطي قال: ان هذه محاولة واضحة لإحباط ادارته الناشئة التي لم يعترف بها أكراد العراق رسميا إلا الشهر الجاري فقط. لكن في مؤشر آخر مفاجئ على الوحدة، أبرم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي يقول البعض: ان علاقته بحزب العمال الكردستاني التركي تشوه سمعته اتفاقا لاقتسام السلطة مع فصائل سورية اخرى الأسبوع الماضي، في خطوة تهدف في جانب منها على الأقل الى تحسين صورته في الخارج. وتركيا هي من أقرب حلفاء كردستان العراق السياسيين والاقتصاديين، لكن أنقرة تخشى من ان يحذو أكراد سوريا حذو أكراد العراق ويعلنون قيام دولة مستقلة في شمال سوريا، وأن يُجرّئ ذلك بدوره الأكراد الاتراك ويخرج عملية سلام متعثرة عن مسارها. وترى ماريا فانتابي محللة شؤون العراق لدى مجموعة الأزمات الدولية أن صلة الجماعات المتناحرة بقوى اقليمية مختلفة يشكل خطرا على وحدة الأكراد. وقالت: «أرى هذا مجرد تلاق مؤقت للمصالح، لا اتحادا دائما».