كاتب سيرة ألماني وصفها بأنها «الأم الروحيّة» لمافيا سريّة، ومجلة أظهرتها على غلافها بوجه معدني، في إشارة الى قسوتها وبرودها العاطفي، ما جعلها، وفق المجلة الألمانية، في مصاف الآلات المعدنية، بلا مشاعر او قلب... هي المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، التي كانت أول سيدة تتولى هذا المنصب في ألمانيا، لتتحول منذ ذلك الحين الى احدى أقوى سيدات السياسة في العالم. اذ لولا دورها في حفظ اللحمّة الأوروبية، لربما كنا نتحدث الآن عن العملة والوحدة في القارة الأوروبية العجوز كإنجازات من الماضي، ألم تقل هي نفسها في كلمتها الشهيرة قبل عامين، وفي منتصف أزمة اليونان الاقتصادية: «من دون «يورو» لن يكون هناك اتحاد أوروبي»؟ قُبيل انتخابات عطلة الأسبوع الماضية في ألمانيا، عرضت القناة الثانية ل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) بورتريه عن السياسية الألمانية حمل عنوان «صُنع مركل مع أندرو مار»، التي، وإن تصدرت نشرات الأخبار والصحف في السنوات الست الأخيرة، ما زلنا نجهل الكثير عنها، وعما يدور فعلاً في عقل السيدة التي ولدت في ألمانيا الشيوعية، وعاشت فترات طويلة من حياتها في بلد يقمع الحريات. ولم تكن سنوات شبابها الأولى تشير الى عزيمة وطموح لافتين، ثم ما لبثا ان ظهرا في حياتها السياسية في ما بعد، مع رغبة شديدة للبقاء في السلطة والتشبث بها، الى حد جعلها تتسلق على أكتاف من عاونها أحياناً. سيقوم المذيع البريطاني المعروف أندرو مار، بتتبع مسار أنغيلا مركل السياسي والإنساني. لكنّ هذه المهمة لن تكون سهلة، فهذه السيدة لم تُفصح عن الكثير من حياتها، حتى أن الصور الفوتوغرافية التي توافرت للبرنامج البريطاني من طفولة السياسية الألمانية، كانت شحيحة جداً، لكننا سنعرف ان مقت مركل للديون - للأشخاص والدول- يرجع لتربيتها الدينية، فوالدها المسيحي البروتستانتي، علمها إن الديّن من دون مبرر يقترب من الخطيئة. التربية الدينية التي تلقتها من والدها ستبقى معها لسنواتها المقبلة، وستقود كثيراً من خيارتها السياسية والحياتية. يلتقي الفيلم التسجيلي بأصدقاء طفولة وزملاء دراسة لأنغيلا مركل، بعضهم رافقها في دراستها للكيمياء الفيزيائية في برلين، وسنعرف منهم إن الفتاة التي بدأت بإظهار ميول سياسية ورفض للحكم الشيوعي للجزء الشرقي من بلدها، لم تلتحق بالتظاهرات العارمة عند بدء الاحتجاجات لإنهاء الحكم الشيوعي، والتي قادت الى تدمير جدار برلين عام 1989. شخصية مركل بعيدة عن الحماسة الزائدة ودائماً تختار المواقع الخلفية، ولا تحب لصوتها الهامس أن يرتفع كثيراً، أما لباسها فكان يُشبه ما يرتديه الفقراء او البوهيميون. ولم تكن هناك إشارات الى مستقبل سياسيّ لامع لها، حتى إنها وعندما قادت مفاوضات أحزاب لتشكيل حكومة ألمانياالشرقية قبل الوحدة، كانت تنسى أحياناً أن تتدخل او تقطع النقاشات، لينبهها رئيسها الى إن من مهماتها أن تقود المناقشات. رئيس آخر لها كشف للفيلم التسجيلي انه طلب من زميلة لها أن تساعدها في شراء ملابس مختلفة، بدل تلك التي ترتديها. وهكذا، من الصفوف الخلفية ستتقدم أنغلا مركل بثبات الى سدة الحكم الذي ستصل اليه عام 2005، وستتخلص في طريقها وبحدة غير متوقعة من منافسيها، وستواجه أزمات حادة وتتغلب عليها، فهي، العالمة بالفيزياء والتي كانت مع المفاعلات النووية لأغراض الطاقة، ستقرر لاحقاً منع تشغيلها او بنائها في ألمانيا، لتماشي المزاج الشعبي القوي الرافض لهذه المصادر الخطيرة من توليد الطاقة. التحدي الأكبر سيكون الأزمة الأوروبية الاقتصادية، والتي حولتها الى سيدة أوروبا القوية، رغم إنها تعرضت في السنوات الأخيرة لانتقادات قاسيّة كثيراً، فهناك من شبهها بالزعيم النازي أدولوف هتلر، وأنها تقود خطة جديدة مختلفة قوامها المال للاستيلاء على أوروبا. الفيلم التسجيلي، هو أول إطلالة تلفزيونية تحقيقية للمذيع السياسي البريطاني المعروف أندرو مار، بعد الأزمة الصحية الخطيرة التي أصابته، وجعلته يرقد في المستشفى ثلاثة أشهر. تلك الأزمة تركت أثارها فيه، فهو يسير بمساعدة عكازين الآن، كما يواجه مشاكل نطق، ولكن يبدو ان مار والمؤسسة الإعلامية التي تشغله، لا يرغبان حالياً في التوقف عن العمل معاً.