بعد أيام قليلة من بدء لجنة تعديل الدستور في مصر أعمالها، احتدم صراع «الشريعة والدستور»، ما رسّخ اعتقاداً بأن تمكّن الحكم الموقت من تمرير الدستور الجديد لن يكون بالأمر اليسير. وجاء ذلك في وقت فتحت الحكومة المصرية من جديد الباب أمام انخراط جماعة «الإخوان المسلمين» في العملية السياسية، شرط «نبذ العنف والإقرار بخريطة الطريق» التي حددها الجيش عقب عزل الرئيس السابق محمد مرسي، ورفضتها الجماعة وحلفاؤها. وكان الصراع اشتعل أمس بين القوى الدينية وأحزاب سياسية، مع بدء مناقشة مواد الشريعة في الدستور. فأعلن ممثلو الأزهر الشريف رفضهم النص في المادة الأولى: «مصر دولة مدنية مستقلة ذات سيادة»، والتي كانت طالبت بها أحزاب وقوى مجتمعية، فيما بدا محاولة منهم لتلافي أي محاولات ل «أسلمة الدولة». غير أن الأزهر ومعه حزب «النور» السلفي رفضا ذلك «حتى لا يتم تفسيرها بشكل خاطئ»، وطالبا باستبدالها ب «دولة دستورية». ونشب خلاف آخر حول المادة الثانية من الدستور التي تنص على «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»، التي حظيت بإجماع أعضاء لجنة «المقومات الأساسية». غير أن ممثّل حزب «النور» بسام الزرقا طالب بحذف كلمة «مبادئ»، أو الحفاظ على المادة 219 في دستور 2012 المفسّرة لمبادئ الشريعة. كما رفض الزرقا حذف كلمة المسيحيين واليهود من نص المادة الثالثة من الدستور، واستبدالها ب «غير المسلمين»، ليصبح نص المادة: «مبادئ شرائع المصريين من غير المسلمين المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشؤونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية»، والتي كانت حظيت أيضاً بتأييد إجمالي أعضاء اللجنة. وأمام احتدام النقاش بين أعضاء اللجنة، آثر الزرقا الانسحاب من المناقشات. غير أن حزب «النور» قلل من الإجراء، مؤكداً أن انسحاب ممثله «إجراء اعتراضي على طريقة المناقشات داخل اللجنة في هذه الجلسة، لكنه لا يعني انسحاب النور من عملية تعديل الدستور»، وهو ما أكده الناطق باسم لجنة تعديل الدستور محمد سلماوي الذي قال في معرض تعليقه على انسحاب الزرقا: «مجرد إجراء اعتراضي فقط.. وهو أمر مسموح به ولا يعني انسحابه من اللجنة تماماً»، منبهاً إلى أنه «إذا حدث وانسحب ممثل حزب النور من الخمسين، سيتم تصعيد العضو الاحتياطي بدلاً منه، وفقاً للإجراءات التي تحددها اللائحة الداخلية للجنة». ورأى سلماوي أن الدستور «لا يعترف بأديان ولا يصادر على الأديان لكنه يقر مبادئ، وإذا صُنع دستور لفئة معينة فيصبح لائحة وليس دستوراً». وكشف أن الدستور سيشمل مواد انتقالية خاصة بالنظام الانتخابي والعزل السياسي «لكنها لم تناقش بعد»، لافتاً إلى أن هناك إجماعاً بين أعضاء اللجنة العامة على تقليص السلطات الممنوحة للرئيس في الدستور السابق باعتبارها مبالغاً فيها وجعلت من النظام الرئاسي «نظاماً ديكتاتورياً». وكشف المقرر المساعد للجنة نظام الحكم محمد عبدالعزيز أن اللجنة توافقت خلال اجتماعها أمس على اعتماد نظام سياسي متوازن بين الرئيس والبرلمان والحكومة، أي مختلط شبه رئاسي يعطي مساحة للبرلمان. وقال عبدالعزيز: «اللجنة اتفقت أيضاً على اختيار رئيس الوزراء من قبل حزب الغالبية في البرلمان، ويجب أن يحصل على موافقة 51 في المئة من الأعضاء، فإذا فشل يسمّي البرلمان رئيس الوزراء ويعرضه على نفسه ويشترط حصوله على 51 في المئة، فإذا فشل يختار رئيس الجمهورية اسم رئيس الوزراء ويعرضه على البرلمان، وفي حالة عدم الحصول على نسبة ال 51 في المئة يعتبر البرلمان نفسه محلولاً». أما ما يخص الرئيس، فأوضح عبدالعزيز أن اللجنة اتفقت على أنه يحق لثلث البرلمان أن يقترح سحب الثقة من رئيس الجمهورية (يسمّى هذا الإجراء في الدستور عقد «انتخابات رئاسية مبكرة»). وفي حال موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، يُعرض الأمر على استفتاء شعبي، وإذا وافق الشعب على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يصبح رئيس الوزراء رئيساً لمدة 60 يوماً تجرى فيها الانتخابات الرئاسية. وقال عبدالعزيز إنه إذا لم يوافق الشعب في الاستفتاء على انتخابات رئاسية مبكرة يصبح البرلمان محلولاً، لافتاً إلى أنه لم يتم بعد حسم موقف السلطة التشريعية. من ناحية أخرى، قالت مقررة لجنة الحقوق والحريات هدى الصدة إن اللجنة أضافت مادتين إلى باب الحقوق والحريات، الأولى تجرّم التمييز بكل أشكاله والثانية تجرّم التعذيب. وقالت: «حريصون على وجود مادة في هذا الباب تمنع المشرع عند وضع قانون ينظم الحقوق والحريات من أن يقيدها أو يلغيها». أما المجلس القومي للمرأة فطالب أمس بتخصيص كوتة للمرأة في كل من المجالس المحلية ومجلس الشعب ل «مدة دورتين فقط إلى أن تتغير ثقافة المجتمع». واعتبر المجلس في بيان أن «الكوتة هي الضمانة الوحيدة لحصول المرأة على نسبة تمثيل مناسبة تتلاءم مع حجمها ومكانتها في المجتمع»، مطالباً بالتوجه إلى المرأة في الصعيد ونشر الوعي لديها بأسس اختيار المرشح الذي يمثلها. كما طالب المجلس بالنص بشكل واضح على تجريم العنف ضد المرأة بكل أشكاله، وأكد أهمية أن ينص الدستور على منع قيام الأحزاب على أساس ديني، والنص بشكل صريح على دور الثقافة المصرية الأصيلة التي تحافظ على هوية المجتمع وحماية المثقفين من الانتهاكات والتكفير. في موازاة ذلك، قال رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي إن الحكومة المصرية ملتزمة العمل مع كل القوى السياسية من دون إقصاء أي طرف، وشدد على عدم وجود أي اعتقالات عشوائية أو لأسباب سياسية. وأوضح الببلاوي، في تصريحات نشرت على صفحته على «فايسبوك»، أن الحكومة ستعمل مع كل طرف سياسي في مصر «طالما أنه وافق على خريطة الطريق والتزم بنبذ العنف والإرهاب أو التحريض عليهما، وأن يكون غير ملاحق قضائياً». وجدد الببلاوي التزام الحكومة بتنفيذ بنود خريطة الطريق التي أعلنها الجيش عقب عزله الرئيس محمد مرسي، وفقاً للتوقيتات الزمنية التي تم الاتفاق عليها للانتهاء من المرحلة الانتقالية الحالية بإجراء الانتخابات الرئاسية. ودافع الببلاوي عن تمديد حال الطوارئ، مشيراً إلى أنه جاء ل «دواع أمنية نتيجة أعمال العنف والإرهاب التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية»، مشدداً على أن الحكومة تعمل بأقصى جهدها لاستعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد حتى تقوم بإلغاء حال الطوارئ في أقرب ممكن. وشدد الببلاوي على انه لا توجد «اعتقالات عشوائية أو لأسباب سياسية»، مشيراً إلى أن من تم القبض عليهم خلال الفترة الأخيرة صدرت في حقهم أوامر من النيابة العامة بالضبط والإحضار ل «اتهامهم في جرائم جنائية». وتابع أن «من يتم القبض عليه فإنه سيمثل أمام قاضيه الطبيعي وتتم محاكمته وفقاً للقوانين العادية وليس الاستثنائية». وأشار الببلاوي إلى أنه تم الموافقة على المقترح الخاص بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق وتوثيق وتجميع المعلومات في الأحداث التي وقعت منذ 30 حزيران (يونيو) 2013. وقال إن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية هي «حالات فردية وتتعلق بالاعتداء على أفراد القوات المسلحة أو المنشآت العسكرية أو التواجد في مناطق عسكرية مغلقة». وقال مصدر أمني رفيع المستوى في وزارة الداخلية إن الوزارة تدرس حالياً نقل محاكمات قيادات تنظيم «الإخوان» المحبوسين احتياطياً بمنطقة سجون طرة إلى معهد أمناء الشرطة بطرة. وأوضح أن درس نقل محاكمة قيادات «الإخوان» إلى معهد أمناء الشرطة في طرة جاء لاعتبارات أمنية، مشيراً إلى أن محاكمتهم بالقاهرة الجديدة في ظل استمرار محاكمة نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك تمثّل «عبئاً شديداً» على عاتق أجهزة الأمن من جهة، كما أن هناك خشية من محاولة أنصارهم تهريبهم أثناء عملية نقلهم من محبسهم بمنطقة سجون طرة إلى المحكمة. وأضاف المصدر أن وزارة الداخلية تدرس إقامة محاكمات قيادات «الإخوان» بمعهد تدريب الأمناء نظراً إلى قربه الشديد من منطقة سجون طرة، وبالتالي سهولة تأمين نقل المتهمين إلى مقر المحاكمة وإعادتهم إلى محبسهم مرة أخرى، وكذلك سهولة تأمين المعهد أثناء المحاكمات.