في العام 1996، صنعت استوديوات هوليوود فيلم «جزيرة الدكتور مورو» (بطولة مارلون براندو، إخراج جون فرانكينهايمر)، اقتباساً عن رواية بالعنوان نفسه لكاتب الخيال العلمي الشهير آتش جي ويلز. ويصوّر الفيلم طبيباً بلغ من اقتداره في التحكّم بالجينات حدّ استيلاد مخلوقات هجينة، هي مزيج إنسان وحيوان. ولا يمثّل الفيلم سوى نموذج صغير من الصورة المُضخّمة عن الجينات في المخيّلات المعاصرة، بل أنها صورة تتعاظم باستمرار كلما جرى تداول أخبار تتعلّق باكتشافات عن الجينات ودورها في الكائنات الحيّة، خصوصاً الإنسان. واستطراداً، لم يتردد مخرج فيلم «إكس مين»، وهو شريط هوليوودي أيضاً عن بشر يحوزون قدرات خارقة بفضل تحوّلات في تركيبتهم الجينية، في التعبير عن قناعته بأن الجمهور يقبل أي شيء يتعلّق بالأجسام، طالما قيل له إنها تأتي من الجينات. باتت الجينات شيئاً كأنه خيال السحر في مخيلات البشر في أزمان سابقة. وتحضر هذه الصورة المتضخمة عند ملاحظة الطريقة التي تعاملت بها وسائل الإعلام مع خبر يتّصل بالجينات، ولو أنه جاء من الخفاش هذه المرّة، إذ تقضي القاعدة العامة عند الثدييات بأنه كلما ازداد وزن الكائن الثديي، طال معدل العمر عنده. ويبدو أن هذه القاعدة لا تنطبق على أحد أنواع الخفاش الذي ربما يعيش أكثر من 40 عاماً، على رغم خفّة وزنه، وذلك بفضل مزيج ناجح من الانعزال والنوم الشتوي المديد، إضافة إلى...الجينات! ويبدو أن هذه الخفافيش من الأنواع الناجحة في التكيّف مع الأوضاع المتغيرة. وتُعرف علميّاً باسم «ميوتيس براندتي». ويتجاوز بعضها عمر ال41 عاماً. وبقول آخر، يستطيع هذا الحيوان الصغير الذي يتراوح وزنه بين 4 و8 غرامات، العيش لمدة أطول من البقرة أو الحصان. ودرس الباحثون التركيبة الجينية عند وطواط «ميوتيس براندتي». وعثروا على دلائل إلى عملية تكيّف في الجينات، ربما فسّرت طول عمره وانخفاض وزنه. وعلى عكس الشغف العام بالجينات، شدّد البحّاثة على أن الجينات وحدها لا تكفي، بل أن سر طول عمر الخفاش يقترن أيضاً بأسلوب حياة «متميّز» يتضمّن سباتاً شتوياً طويلاً، وممارسة القليل من الجنس، وإنجاب القليل من الأطفال، والعيش في ما يشبه العزلة الدائمة! هل ينطبق هذا الأمر على البشر أيضاً؟ لا إجابة حتى الآن.