أكد الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن «ما تخسره المؤسسات الشرعية يربحه الشارع»، داعياً «لاستكمال تطبيق الطائف وتسهيل مهمة الرئيس المكلف والابتعاد عن الأمن الذاتي». وقال خلال استقباله النائب بهية الحريري على رأس وفد كبير في احتفال الذكرى 93 لإعلان دولة لبنان الكبير 1920 من قصر بيت الدين: «لبنان الكبير لم يكن مشروعاً مسيحياً، بل كان مشروعاً لبنانياً، وقع العرائض المطالبة به أعضاء مجلس الإدارة من جميع الطوائف. هذا اللبنان الكبير، يتمسك به اليوم جميع أبنائه وطناً نهائياً بعدما عمدوه بدماء شهداء المقاومة والتحرير والسيادة والاستقلال عن الانتداب والاحتلال والوصاية والارتهان. فالوطنية الناقصة التي اتهم بها البعض من اللبنانيين مع نقص في الولاء، في مقابل ولاء أعمى وتزمت وطني وانعزال واحتكار للهوية اللبنانية، صقلتها التجارب المرة، واختبارات التعاطي مع الخارج الشقيق والبعيد، فانبثقت من مطهر الخيبات والنكسات هوية جامعة واحدة بمكونات إيجابية كثيرة». وأضاف: «لبنان الكبير، ظل كبيراً رغم التحولات الدولية منذ سايكس - بيكو، ورغم الحروب في الشرق الأوسط ولبنان. فلا حلم سورية الكبرى استطاع تصغيره، ولا أطماع إسرائيل الكبرى نجحت في ابتلاعه. وأثبت عن حق أنه أكبر من أن يبلع وأصغر من أن يقسم. واليوم وفيما يهدد شبح الانقسام دولاً كانت تبدو أقوى وأكبر من لبنان، يثبت هذا الوطن أنه أثبت وأقوى من معظم الجوار الذي نتمنى له العودة إلى الأصالة والوحدة والسلام». وقال: «لبنان الكبير، بقي رغم كل ما حصل من أصوليات وموجات، دولة تحترم حرية الاعتقاد المطلقة، وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها. فلم يكن لبنان ولن يكون دولة دينية أو أوتوقراطية أو ديكتاتورية مادية أو طائفية، بل دولة مدنية مؤمنة، تصون الحريات الشخصية والعامة في حمى القانون، لبنان الكبير كان وسيبقى بلد المكونات الطائفية المتشاركة، لا بلد الأكثريات الساحقة والأقليات المسحوقة»، لافتاً إلى أن «لبنان الكبير حافظ في كل المراحل الصعبة على ديموقراطيته التمثيلية. فالمجلس النيابي قبل أن يكون تعبيراً عن الديموقراطية هو نقطة الالتقاء الضرورية بين الطوائف والجماعات المتحدة، فإذا ضعف التمثيل وهزلت المجالس فقد الحكم شرعيته وأفلت الزمام أمام الشارع والفوضى». وقال: «أثبتت المحن والتجارب أن ما تخسره المؤسسات السياسية الشرعية يربحه الشارع. لذلك فإن لبنان لا يمكن ويجب ألا يكون بلد التهور والمجازفة. هو بلد يجب أن تحميه التقاليد من العنف. فلبنان إذاً يحكم بالحكمة لا بالقوة وكسر الموازين الدقيقة». وإذ استذكر سليمان، الإمام موسى الصدر «ومواقفه الوطنية الداعية إلى وحدة اللبنانيين»، شدد على «الحاجة اليوم إلى استعادة الأجواء التي سادت في عام 1920 وتأكيد التزامنا المواثيق التي ارتبط بها تاريخ لبنان من ميثاق 1943 ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف عام 1989 والدستور المنبثق منها وإعلان بعبدا عام 2011. فنمضي قدماً في اتخاذ كل الإجراءات وخصوصاً في هذا الظرف العصيب لتنفيذ بنوده وخصوصاً البند 12 لجهة تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليمية والدولية وتجنيبه الانعكاسات السلبية للتوترات والأزمات الإقليمية وذلك حرصاً على مصلحته العليا ووحدته الوطنية وسلمه الأهلي»، مؤكداً «الحرص على ضبط الأوضاع على طول الحدود اللبنانية - السورية وعدم السماح باستعمال لبنان مقراً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلحين»، وآملاً أن «تمتنع الأطراف السورية المتقاتلة عن تصويب نيرانها إلى الأراضي اللبنانية كما حصل مراراً، في عرسال وبعلبك والهرمل وفي الشمال وفي الداخل». الثوابت اللبنانية وسورية وأعاد سليمان التذكير «بالثوابت اللبنانية التي تقضي بضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وعدم القبول بالتدخل العسكري الأجنبي». وقال: «رغم إدانتنا الشديدة لاستعمال السلاح الكيماوي، نرغب في أن تقوم الأممالمتحدة ومجلس الأمن بواجب مساءلة المرتكبين. كما نؤكد للأطراف الداخلية والخارجية كافة ضرورة تحييد لبنان أرضاً وجواً وشعباً عن تداعيات ما قد يحصل من تطورات عن فعل أو رد فعل». وأضاف: «كذلك علينا أن نشكل حكومة جامعة في أقرب الآجال، ونلتقي حول طاولة هيئة الحوار الوطني لمتابعة مناقشة الاستراتيجية الوطنية للدفاع، انطلاقاً من التصور الذي وضعته بتصرف أعضاء الهيئة والشعب اللبناني استناداً إلى إعلان بعبدا وذلك لتحصين لبنان والاستفادة من قدرات المقاومة ومناقشة كل ما يرتبط بهذه الاستراتيجية بغية المحافظة على مختلف القدرات القومية وتطويرها»، مؤكداً «وجوب إيلاء شؤوننا إلى المؤسسات الوطنية، فنترك الأمن للجيش والمؤسسات الأمنية والعدالة للقضاء، والسياسة الخارجية لرئيس الدولة والحكومة ورئيسها، ولا نلجأ إلى وسائل الضغط والإحراج والاتهام والتهديد عندما تأتي القرارات والأحكام على غير ما نتمنى. وفي هذا المناخ المقلق أمنياً نذهب إلى مزيد من التعاضد والتآلف وتهدئة الخطاب السياسي والانضباط الإعلامي، ونبتعد عن الأمن الذاتي الذي يحدث أضراراً داخلية وخارجية أضعاف ما يمكن أن يفيدنا لجهة الأمن في حي أو شارع بالذات. فنتعاون مع الأجهزة القضائية والجيش والمؤسسات الأمنية ونتجنب التعرض لحريات المواطنين والمقيمين وخصوصاً الديبلوماسيين المعتمدين بالإضافة إلى أن هذه الممارسات تحظرها القوانين وعلى القضاء ملاحقة مرتكبيها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية». ولفت إلى «أن الدستور اللبناني نسج شبكة أمان سياسية عبر الديموقراطية الميثاقية التي نص عليها في نصه وروحه وأبرزها إشراك الجميع في إدارة الشأن السياسي. وأيضاً عمد إلى توزيع الصلاحيات والمسؤوليات وفقاً للروح الميثاقية ذاتها، رغم الثغرات التي تتطلب المعالجة لذلك علينا أن نمضي في استكمال تطبيق الطائف واحترام صلاحيات هذه السلطات من قبل السلطات الأخرى والقوى السياسية كافة وعدم اللجوء إلى المقاطعة أو التعطيل أو إسقاط النصاب في الاستحقاقات كافة ولدى المجالس كافة»، ورأى أن «هذه الممارسة لا تؤدي إلى الفراغ وتوقف عجلة التشريع وتعطيل سير المؤسسات وشؤون الناس فحسب بل أيضاً هي تمس جوهر فلسفة الديموقراطية الميثاقية المرجوة في اتفاق الطائف. وأعني هنا وجوب تسهيل مهمة رئيس الحكومة لممارسة صلاحياته إلى جانب رئيس الجمهورية بعدما تمت الاستشارات الضرورية وفقاً للدستور، بغية الإسراع في إصدار التشكيلة الحكومية». بهية الحريري وكانت الحريري ألقت كلمة قالت فيها: «يوم الأحد الماضي من طرابلس الجريحة والحزينة والمنكوبة توجهت بنداء على الهواء أطلب فيه من رئيس الجمهورية دعوة القطاعات الحية والمنتجة في لبنان، لأن الذي رأيته في طرابلس رغم المأساة يكبر القلب، وكذلك الكلام الرفيع الذي سمعته من علماء طرابلس وقادتها أن ما من خيار غير الدولة الوطنية مهما كانت التضحيات بالإضافة إلى التضامن الوطني الكبير الذي شهده لبنان مع أهلنا في الرويس وطرابلس، ولمست التقدير الكبير لكلمة رئيس الجمهورية التي كانت بوقتها ومحلها، شعرت أن من الضروري أن نبعث لكل الشعب اللبناني رسالة وطنية تليق بوطنيته». وأضافت: «تمنيت على رئيس الجمهورية أن نلتقي رغم كل الظروف الصعبة والمقلقة، هذا لقاء وطني وفي مثل هذا اليوم بدأت رحلة التحدي لدى النخبة اللبنانية والمناطق اللبنانية بكل تكوناتها، واستطعنا بصبر وثبات أن نبني دولة قادرة على الاستقلال بعد 23 سنة من المحبة والتفتح والاجتهاد، ورغم العثرات في صيف 2010 بدأنا بالمبادرة الوطنية لمئوية لبنان الكبير 2020 وكان طموحنا أن نرسم استراتيجية وطنية نقول فيها من اليوم أي لبنان نريد، ووجدنا أن لبنان قبل خمسين سنة كان عنده إستراتيجية إنمائية كاملة لأن الرئيس الراحل فؤاد شهاب في عام 1959 طلب من مدير المركز الدولي للبحوث والحضارات «أرفد» في باريس الأب لوبريه إعداد مخطط متماسك لسياسة الإنماء المتزن في لبنان. ونسأل: ماذا لو طبقت خطة «أرفد»؟ هل كان حصل في لبنان ما حصل؟». وتابعت: «شرفني فخامة الرئيس باستقبالي الثلثاء الماضي ووجدت لديه ما يشعره معظم اللبنانيين الآن بأنه رمز للوحدة الوطنية وحارس أمين على الدولة والدستور والأمن الوطني بكل أبعاده ومعانيه العسكرية والإنسانية وسمعت منه تقديره للبنانيين وقطاعاته الإنتاجية والحية، وبصدق أحسست بارتياح عميق ولكن لدقائق معدودة لأنني شعرت أن هناك حملاً كبيراً ومسؤولية كبيرة حملني إياهما، ولكن طلب مني أن أتولى الدعوة لهذا اليوم الوطني، وعرفت خلال الأيام الماضية وأنا أقوم بواجبي الوطني لهذه الدعوة ما هو الخيط الرفيع بين العمل الوطني والعمل السياسي». وزادت: «اجتمعت مع فريق المبادرة الوطنية وجميعهم من الشابات والشبان حتى الآن وحاولنا أن نجد قاعدة تكون الدعوة فيها وطنية بامتياز لكي لا نوجه الدعوة لأحد بسبب قربه السياسي أو بعده أو العلاقة الشخصية وأن المعايير يجب أن تكون وطنية...». وقالت: «أريد أن أحس بأني مسؤولة ويجب أن أكون محل مساءلة، ولأن اليوم هو يوم المواطن اللبناني الذي يشعر أني قصرت بالوظيفة التي كلفني فيها كنائب في الرقابة والتشريع والمساءلة عن الأمة جمعاء بحسب الدستور، وليس هذا فقط، هذا المواطن يتعب ويشتغل لكي يدفع لي راتبي الشهري»، مضيفة: «بالنسبة لي يتوجب علي كمواطنة لبنانية أن أعتذر من كل الشعب اللبناني لأني لم أقم بواجبي الوظيفي منذ عام 2009 حتى الآن وتقاضيت من الشعب اللبناني أجراً لا أستحقه، فإنني أتشرف أن أعيد للشعب اللبناني كل ما تقاضيته من هذه الدورة النيابية حتى الآن وقيمته خمسماية وخمسة وعشرون مليون ومئتان واثنان وثمانون ألف وخمسماية ليرة لبنانية لنؤسس من خلاله صندوق القيم الوطنية «حساب بحبك يا لبنان 2020» وبإشراف دائم لرئيس الجمهورية كرئيس شرف دائم للصندوق حتى بلوغ عام 2020 وبالتعاون مع جمعية المصارف التي تؤمن فتح هذا الحساب في جميع المصارف اللبنانية بالتعاون مع الهيئات المشاركة في هذا اللقاء الوطني وغيرها، وأعتقد أن العديد من الزملاء النواب القادرين سيشاركوننا في هذا الصندوق ويعيدون للشعب اللبناني ما أخذوه منهم لنشرع بإعداد الدراسات والإستراتيجيات والتشريعات الضرورية التي نريدها لكي يكون لبنان عام 2020 وطناً يليق بمواطنيه». ثم ألقى نقيب الصحافة محمد بعلبكي كلمة أكد فيها «أننا لن نتخلى عن هذا البلد في أي ظرف من هذه الظروف». كما ألقى رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل كلمة استند فيها إلى المواقف والخيارات الوطنية التي» لطالما تمسك بها اللبنانيون منذ تسعة عقود ليدعو القيادات السياسية إلى التجاوب مع دعوات رئيس الجمهورية إلى الالتزام الفعلي بإعلان بعبدا وإلى استئناف أعمال هيئة الحوار الوطني حول استراتيجية لبنان الدفاعية والإسراع في تشكيل حكومة جامعة». وألقى الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار كلمة استأذن فيها الرئيس سليمان إعلان الأول من أيلول «يوماً وطنياً والقيام سنوياً على غرار ما يحدث في عيد الاستقلال لرجالات الاستقلال بزيارة أضرحة البطريرك الحويك وأعضاء الوفود الثلاثة التي ساهمت معه بالتوصل لإعلان لبنان الكبير».