شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان على أن «الظرف الراهن ليس ظرف تعديلات ميثاقية أو إعادة تأسيس وتكوين، بل مرحلة تحسين شروط الإدارة السليمة والممارسة السياسية»، معتبراً أن «الحكمة والواقعية السياسية تقتضي المضي قدما في تطبيق كامل بنود اتفاق الطائف، وكرر الدعوة إلى «التزام إعلان بعبدا قولاً وفعلاً»، وراى أنه «لا يحق لأي منا تعطيل استحقاق تشكيل الحكومة تحت وطأة رفع سقوف المطالب». وإذ استبعد الرئيس سليمان بكلامه هذا ما يحكى في بعض الأوساط عن طرح تعديلات جوهرية على اتفاق الطائف، في اتجاه اعتماد صيغة المثالثة بين المسيحيين والسنة والشيعة، بديلاً من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، جدد الإعلان عن نيته دعوة هيئة الحوار الوطني إلى الاجتماع لبحث بند الاستراتيجية الدفاعية «عمادها الجيش». وقال سليمان، في احتفال تسليم شهادات التخرج لطلاب كليات الجامعة اليسوعية في بيروت مساء أمس: «على رغم السنوات السعيدة الأولى للاستقلال، سرعان ما تعثرت مسيرة الدولة الفتية، وطاول العنف والدمار معظم أرجاء الوطن، وشلت الحروب والاعتداءات أذرعته وأوصاله طوال عقود، حتى جاء اتفاق الطائف ليعيد تأكيد جوهر الصيغة التوافقية التي بني عليها لبنان، على قاعدتي ألدستور والميثاق الوطني». وأضاف: «بعد سنوات من الاستقرار وارتفاع نسب النمو، وعلى رغم إنجاز تحرير معظم الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة قرارنا المستقل، نفشل في إقرار قانون انتخابي جديد، ونتخاذل في إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها وفقاً لما تقتضيه الديموقراطية وواجب التداول الدوري للسلطة، ونتعثر في عملية تشكيل حكومة جديدة تنال ثقة المجلس النيابي، بينما لا تزال تتربص بنا مخاطر التطرف والفتنة والعنف». وقال: «سعى الباحثون لتشخيص الخلل في آلية عمل النظام اللبناني، فاعتبر البعض بأنه أزمة نمو طبيعية وعارضة، داعين إلى المثابرة والثبات في اختبار الصيغة وتطبيقها، بينما ذهب البعض الآخر إلى اعتباره خللاً بنيوياً كيانياً يصعب إصلاحه، ولا بد تالياً من إعادة النظر في جوهر تركيبته وفلسفته.والواقع أن الدول القائمة على التعددية والتنوع الطائفي أو المذهبي أو الإثني، وفي غياب الفكر القومي الجامع، انساق بعضها نحو الدكتاتورية للحفاظ على وحدتها واستقرارها، وهذه أنظمةٌ باتت على تراجع وانكفاء، ولم تأتلف يوماً مع أطباع اللبنانيين المتسمين بعشقهم للحرية. واستقر خيار البعض الآخر، وفقاً لما قضت به خصوصيته وظروفه التاريخية، على نظام الفديرالية، بينما انزلقت مجموعة دول أخرى، نحو التقسيم، أو إلى أتون حروب أهلية عبثية». واعتبر أن اللبنانيين «اختاروا الديموقراطية الميثاقية عام 1943، في إطار جمهورية ديموقراطية برلمانية تعتبر الشعب مصدر السلطات، وعادوا وأكدوا عليها في وثيقة الوفاق الوطني عام 1989 بعد عقود من التقاتل والاحتراب، منوهين بأن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، فإن الحكمة والواقعية السياسية تقتضي، في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخنا، المضي قدماً، في تطبيق كامل بنود اتفاق الطائف، بالشكل المنطقي والمتكامل والسليم، وصولاً وفق خطة مرحلية، إلى الدولة المدنية». وأكد سليمان أن «ليس الظرف، في ظل العواصف الإقليمية والأخطار المحدقة، وشيوع منطق التقوقع والانعزال، في مقابل منطق الاستقواء والهيمنة، ظرف تعديلات ميثاقية أو إعادة تأسيس وتكوين، كما يمكن المباشرة بإجراء حوار معمق توحيد خيارات اللبنانيين حول القضايا الوطنية الأساسية، بما يكفل حالة مستدامةً من الاستقرار والنمو الاقتصادي والاجتماعي، علماً بأن «إعلان بعبدا» أكد ضرورة التمسك بالمبادئ الواردة في مقدمة الدستور بصفتها مبادئ تأسيسية ثابتة. واقترح توضيح كل الإشكالات الدستورية التي أعاقت لغاية الآن عمل المؤسسات، بسبب نواقص، وغموض في النص أو التباس في التفسير، مشيراً إلى إنجاز دراسة كاملة ومستفيضة لعرضها على طاولة التداول والنقاش. وأكد الانتهاء من إعداد مشروع قانون متكامل للامركزية الإدارية، بما يضمن النماء المناطقي المتوازن». وأكد سليمان أنه سيكرس كامل الجهد من أجل تحقيق الأهداف الوطنية الملحة على الصعيد الآني كالآتي: 1- إقناع مختلف الأطراف في الداخل اللبناني، بأن مصلحة الوطن ومصلحتهم بالذات، هي المحافظة على استقرار لبنان، بالالتزام قولاً وفعلاً بإعلان بعبدا، الذي ذهب البعض إلى حد طلب إدخال جوهره في مقدمة الدستور، وتالياً تحييد بلادنا عن الصراعات والمحاور الإقليمية والدولية، أي عن لعبة الأمم، وعن التداعيات السلبية المتنامية والضاغطة للأزمة السورية. وفي وقت يلقى هذا السعي دعماً دولياً واضحاً، كما تجلى ذلك في البيان الأخير لمجلس الأمن الدولي، فإن المزيد من الجهد ما زال مطلوباً للتوصل إلى توافق إقليمي فعلي حول هذا الموضوع. 2- تكثيف عملية التشاور لتشكيل حكومة جديدة تحافظ على الاستقرار وتعالج الشأنين الاقتصادي والاجتماعي، والمشكلة الناتجة من تفاقم أعداد اللاجئين السوريين، وتهتم بإعلاء شأن التربية والتعليم الجامعي، وتواكب الاستحقاقات السياسية والتطورات الإقليمية بوعي وحكمة وحزم، وترضي الرأي العام وجيل الشباب. ولا يحق لأي منا تعطيل هذا الاستحقاق تحت وطأة رفع سقوف المطالب. فالشعب والدستور هما مصدر السلطات. 3- إعادة جمع أطراف هيئة الحوار الوطني، للبحث في شكل مسؤول وجاد في أفضل السبل الكفيلة بخدمة مصلحة لبنان وإدارة شؤونه، وقد تقدمت العام الفائت من الهيئة بمشروع الإعلان الذي أقر وعرف ب «بإعلان بعبدا»، وبتصور أولي لاستراتيجية دفاعية وطنية عمادها الجيش اللبناني، يعالج من ضمنها موضوع السلاح، وفي هذا مصلحةٌ اساسيةٌ للوطن تجمع القدرات وتحد من الفوضى والخلافات والتجاذبات، وتعزز موقع ودور الدولة فتتصرف هي وحدها بهذه القدرات. وأضاف: «في موازاة ذلك، سأستمر، بحكم المسؤولية الدستورية الملقاة على عاتقي، بدعمكم، وبدعم المؤسسات الشرعية والقوى الحية الملتزمة مشروع الدولة، في الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله واستقراره في وجه أي تهديد أو اعتداء أو ارتهان أو تبعية وإخراجه من عقدة الخوف. وتوجه إلى الخريجين بالقول: «لا تسمحوا للقوى المتشددة أو المتهورة أو المرتهنة من أن تجركم من جديد إلى أتون العنف والحروب في داخل البلاد أو في خارجها ودروب الهجرة والخنوع، وهي أقلية وفقاً لكل الإحصاءات. ولا تدعوا حالة المراوحة الظرفية التي يعاني منها لبنان في الوقت الحاضر، بسبب الممارسة السياسية الخاطئة أو الارتهان للمصالح الخارجية أو الخاصة، من أن توقعكم في دائرة خطرين متوازيين: خطر التطرف أو خطر الإحباط والخوف والمقاطعة والانكفاء. وأكد أنه «سبق أن تخطى لبنان ألكثير من الصعوبات والأزمات في خلال تاريخه الطويل، وتمكن من المحافظة على جوهر كيانه وقدراته، بفضل شجاعة أبنائه وصلابتهم وإيمانهم العميق بأنفسهم وبمقدرتهم على المقاومة والتقدم والارتقاء. لذا جئت أحضكم هنا على العمل على تحسين فرص وشروط التقدم والإصلاح في لبنان، من طريق الانخراط بصورة أفضل وأفعل، في هيئات المجتمع المدني، وفي أي حراك سلمي ضاغط يكفله القانون، للتأثير على مواقف أهل السياسة وأصحاب القرار، بانتظار المساهمة المباشرة في عملية المساءلة والمحاسبة وإعادة إنتاج السلطة، من خلال الانتخابات التي يجب التحضير لها وإجراؤها في أقرب الآجال. كما أدعوكم إلى الإقدام بشغف وصدق وروح رسالة وتضحية، على كل ما من شأنه أن يداوي وأن يبني وأن يرسخ، على قاعدة الحق والعدالة، ليس فقط في ميادين اختصاصكم في الطب والهندسة والقانون، بل كذلك في المجالين السياسي والاجتماعي، من منطلق الاستحقاق والكفاءة، وفي كل مجال يرفع من قيمة الإنسان وعزته وكرامته وأخلاقياته». واختتم: «جيلنا لم يقدم بل ارتضى الواقع ولم يثمِّر الوَزَنات، فبالله عليكم افعلوا أنتم».