نظم مركز الفن المعاصر في جنوب أستراليا مؤتمراً بعنوان «رمال متحركة» في فضاء آرت سبيس في سيدني وفي متحف جنوب أستراليا للفن بأديلايد، حول التطورات الثقافية والفنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على إثر الانتفاضات السياسية والاجتماعية التي بدأت عام 2.11. جاء في مقدمة المؤتمر أن «ثلاثين ألفاً من الأستراليين علقوا في لبنان عام 2006، بينما شاركت قوات من أستراليا في التدخل العسكري في العراق وأفغانستان، وامتنعت (أستراليا) عن التصويت للدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة»، ولذا فعلى المؤتمر مقارنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بقرينتها الأسترالية. قدمت الباحثة البحرينية شيماء بوعلي ورقة بعنوان «القصص المزاحة للصور: الانتفاضات العربية منذ 2011»، حول عبور الاعتصامات والتظاهرات حدود المنطقة العربية وتدفق صور الحشود عبر وسائل الإعلام المختلفة، وشيوع الغرافيتي ما بين تعبيرات شعارية أو تخليداً لأفراد قضوا أو اضطُهدوا على أيدي السلطات. وتحدثت بوعلي عن تعامل الإعلام والمؤسسات الغربية مع الانتفاضات اليوم على أنها عروض أدائية لا أفعال مقاومة، كأن يعلن أن «ميدان التحرير وصل إلى مهرجان مسرحي» في مدينة أوروبية، أو أن تنال النسخة غير المكتملة من فيلم «الميدان» للمخرجة جيهان نجيم جائزة الجمهور في مهرجان صندانس السينمائي الأميركي 2013، وتتجاوز حصيلة حملته الإلكترونية للتبرع لدعم صنعه 126 ألف دولار. وعرضت القيّمة باشاك سينوفا في ورقتها «الاحتمال المُشبع»، أشكالاً جديدة للمقاومة في تركيا ولدت من أحداث مقاومة المواطنين لأعمال هدم في حديقة غيزي في قلب إسطنبول. وتحدثت عن جيل الآباء الذين قادوا المعارضة الجديدة بعد سنوات بدوا فيها كأنهم لا يكترثون للتغيرات السلبية في نظام الإدارة السياسية أو تدهور سقوف الحريات في الدولة، فمثلاً لا يمكن التوصل إلى نتائج بحث عن 160 كلمة حجبتها السلطات عبر الإنترنت. وتصور خرائط الفنان البصري بوراك أريكان شبكات قائمة بين خدمات أو منشآت أو أفراد على امتداد تركيا، منها شبكة للمساجد (في إسطنبول أكثر من 3000 مسجد)، وشبكة للمجمعات تجارية، وشبكة لمقتني الأعمال الفنية. وتعلق أعمال الفنانين اليوم على الأحداث وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة. بل ربما سجّلت أعمالهم للحظات هشة تظهر وتختفي، على نسق متسارع ومعقد تسعى إلى روايته جهة دون أخرى. وقدمت المنسّقة الهولندية نات مولر قراءة في أعمال غيّبت «الجسد» عن العرض، مثل العمل المسرحي «ثلاث وثلاثون لفة وبضع ثوانٍ» (2013) للفنانين اللبنانين ربيع مروة ولينا الصانع. وهو يرتكز على سرد قصة انتحار ناشط مدني اسمه «ضياء يموت»، عبر تعليقات لأصدقائه تظهر على صفحته على فايسبوك، بعدما سمعوا بالنبأ، بينما لا يظهر أي أشخاص في العرض الذي لا يخرج عن تقنيات التواصل المعاصرة. عبور الحدود تحدث مدير «مؤسسة دلفينا» آرون سيزار عن عبور الأفراد والأعمال الفنية للحدود، وعن محدِّدات التبادل الثقافي، والقواعد التي تحظر عرض أعمال دون أخرى، وصعوبات الحصول على تأشيرة تمكّن فنانين شباباً من إقامة فنية قصيرة في لندن. الإقصاء والندرة في ترجمة الأعمال المسرحية من العربية وإليها دفعا المخرج إياد الحسامي إلى تحرير كتابات في المسرح طبعت في كتاب «إننا محكومون بالأمل» (2012)، نشرته دار الآداب بالعربية والإنكليزية. وأسس الحسامي في بيروت فرقة «مسرح إنسمبل»، التي ستطوف العالم بعروض معاصرة من نصوص عربية وأجنبية، من بينها مسرحية «الوحل» (1982) للكاتبة ماريا إرين فورنيز التي ترجمها الحسامي وسمر عواضة إلى العربية، وعرض الأول مشهداً مسجلاً منها لجمهور المؤتمر. وعرض الفنان البصري علي شرّي فيلمه «في فضاء الوهم» (2011) الذي ركبه من أفلام على يوتيوب، ثم تحدث عن رداءة الصورة المتحركة التي يضعها العالم العربي اليوم، شكلاً وموضوعاً، على هذا الأرشيف العالمي المفتوح. وعزا ذلك إلى سرعة الإنتاج وعجالة التحميل على الإنترنت. وتحدثت ديانا أبوعلي مديرة أبحاث «المتحف الفلسطيني» عن اجتهاد المتحف في إعادة بناء أرشيف فلسطين المشتت، وعن حمّى المتاحف التي ستفتتح متحفاً بعد آخر في فلسطين خلال الأعوام المقبلة، في ظل مساعي السلطة الفلسطينية إلى بناء أمة ودولة وثقافة متاحف. أشياء «لا تفارق» الفلسطينيين هي باكورة معارض المتحف الفلسطيني المزمع افتتاحه في 2014. بينما لا يمكن تلمّس موقع الفن في أيام مشتعلة سياسياً، لا يضير أن يبقى الفضاء الفني مكان «اللا فائدة»، على حد تعبير أعادت اقتباسه آنا شيمفسكي منسقة «غاليري تاونهاوس» التي سافرت عبر حظر التجوال وثلاث قارات لتصل إلى المؤتمر. وقد تغير استعمال فضاءات الغاليري في وسط القاهرة حسب تطورات الأحداث في الميدان، فتحول مكاناً للإسعاف والإنتاج الفني والاجتماع وغيرها. واستخدمت المنسقة صورة رمزية تظهر ملصقات الغاليري على جدران خلف متظاهرين غاضبين، ووصفت كيف يمضي المصريون حالات انتظار متصلة. واختتم المؤتمر بعرض للفنانة البصرية لارا بلدي حول «سينما التحرير» التي أسستها مع الممثل خالد عبدالله والمخرج عمر هاملتون والمخرج تامر السعيد في الميدان في تموز (يوليو) 2011 قبل أن تفض اعتصاماته بأسابيع. وقدّمت بلدي أفلاماً غير مولّفة صورّها أفراد خلال الثورة، بينما تفاعل الجمهور الذي جلس على الأرض تصفيقاً وتعليقاً... كل هذا الأرشيف أضيف كذلك إلى يوتيوب الذي جمعت منه الفنانة أرشيفاً آخر فيه ما يزيد على أربعة آلاف فيلم. وينطلق أرشيف بلدي من الثورة المصرية لينتقل إلى شؤون كثيرة في أماكن أخرى، طيف واسع تقتبس من حكمة كلماته أوصافاً تشبه حالة الثورة.