صيف العام المقبل هو موعد العاصمة البريطانية مع الألعاب الأولمبية التي استضافتها آخر مرة العام 1948. من نافل القول الحديث عن انشغال المدينة بعمدتها وحكومتها في التحضير لهذا الحدث رياضياً، لكن مجلس مدينة لندن هيأ مجموعة من الأنشطة تشكل أولمبياداً ثقافياً موازياً يعكس التنوع البشري الذي ستشهده البلاد ثقافياً وعرقياً. هذا ما أعلنت عنه مديرة المشروع في مؤتمر صحافي، كاشفة عن مساهمة أسماء عالمية لامعة من عالم الأدب والمسرح والسينما والفنون، ستكون حاضرة في هذا الحدث الذي حشدت له لندن مسيرات فرح قبل خمس سنوات، عندما تم اختيارها مدينة الألعاب الأولمبية لعام 2012. ألف نشاط ثقافي من المقرر أن تقام خلال هذه الفترة في مجالات المسرح والأوبرا، الشعر، الفنون البصرية، العالم الرقمي، الأزياء وغيرها من الأنشطة المحسوبة على الثقافة ومن بينها احتفال بيوم السلام العالمي الذي يصادف في الحادي والعشرين من سبتمبر (أيلول). هذه الاحتفالية ستقام في مدينة باري في ارلندا الشمالية برعاية من «جمعية سلام ليوم واحد» التي تشكلت قبل سنوات بقصد الترويج لهذا اليوم خالياً من أي نزاعات بين البشر في العالم. ومن المشاهير الذين سيروجون لهذا اليوم نجم هوليوود البريطاني جود لاو. وبحسب اللجنة المشرفة على تنسيق هذا الأولمبياد فإن هذه الأنشطة تستهدف جذب ثلاثة ملايين شخص خلال تلك الفترة. وتنخرط في تلك الأنشطة بريطانيا ككل من خلال المتاحف وصالات الفنون والمراكز الثقافية والمسارح والقنوات التلفزيونية والسينما والمهرجانات الثقافية التي تصادف في الفترة نفسها مثل مهرجان أدنبره، وجمعيات النفع العام. شكسبير الاسم الأبرز الذي يمثل الثقافة البريطانية في العالم، سيكون حاضراً بمسرحياته الثماني والثلاثين التي ستعرض على امتداد ستة أسابيع تبدأ في 23 أبريل (نيسان) 2012، ذكرى ميلاد هذا المسرحي العظيم. وتشرف على هذه العروض «فرقة شكسبير الملكية» التي تستضيف فرقاً من مختلف أنحاء العالم تقدم عروضاً بلغاتها الأصلية، مثل الماورية لغة السكان الأصليين في نيوزلندا، الماندارية الصينية، الأوردية. ومن بين اللغات التي ستعرض بها مسرحيات شكسبير لغة الإشارة التي يستخدمها البكم في بريطانيا في واحدة من مسرحيات شكسبير الكوميدية «عذاب الحب الضائع». أما اللغة العربية فستحضر من خلال مسرحية «روميو وجولييت» التي تقدمها فرقة المسرح العراقي (بغداد). وفي النسخة العراقية ينتمي العاشقان إلى عائلتين من طائفتين مختلفتين ترفضان المصاهرة. وتقدم مسرحية أخرى بالعربية هي «العاصفة» ولم يذكر عنها تفاصيل في البرنامج المبدئي، وإن كنا نعتقد أنها للمخرج الكويتي خالد البسام. بعيداً من شكسبير وفي مجال المسرح نفسه، تساهم الكاتبة الأميركية من أصول أفريقية توني موريسون الحائزة جائزتي نوبل و بوليتزر ، في كتابة عمل للمسرح يستضيفه مركز باربيكان للفنون تحت اسم «ديزدمونة»، الشخصية المستوحاة من شكسبير، في حوارية مع شخصية من أعمال موريسون الروائية وهي الممرضة الأفريقية برباري. وتشاركها في العمل المغنية الأفريقية روكيا تراوري من مالي، وتجمع المرأتين ذاكرة الاستعمار والعنصرية، وتجمع بينهما أيضاً الأغاني وحكايات الناس. يخرج العمل بيتر سيللر الذي لفت الأنظار بإخراجه مسرحية «عطيل» العام الماضي. على مستوى السينما، فإن المخرج السينمائي مايك لي صاحب الأفلام المتميزة في تناولها حياة البريطانيين، سيقدم فيلماً روائياً قصيراً لم يعلن بعد عن تفاصيله، لكنه سيعكس اهتماماً بالرياضيين وغيرهم من المنشغلين في نشاط الأولمبياد. وسيكون هذا الفيلم ضمن أربعة مشاريع أخرى يمولها قسم الأفلام في تلفزيون ال «بي بي سي» بالتعاون مع تلفزيون القناة الرابعة. أما الشعر فيشهد أسبوعاً كاملاً في مركز ساوثبانك الثقافي، بالتعاون مع مجلة بارناسوس الأميركية المتخصصة، وينظم الجلسات التي تستضيف عدداً من الشعراء في العالم، الشاعر البريطاني سيمون أرميتاج. الفنان التشكيلي البارز ديفيد هاكني سألته اللجنة المشرفة على الأولمبياد الثقافي إن كان يرغب في دعمهم بأي لفتة ترويجية، فبعث برسالة إلكترونية مرفقة برسم نفذه على جهاز (آي باد) الخاص به. يحمل الرسم سمات لوحاته الشهيرة وتزينه عبارة: «أراكم في عام 2012». غير أن مساهمة هاكني الحقيقية ستكون من خلال المعرض الكبير الذي سيقام لأعماله في الرويال أكاديمي. على مستوى آخر، هناك فنانون تشكيليون سيساهمون في الأنشطة، بينهم فنانون تجريبيون مثل الدنماركي أولافور إلياسون الذي لفت الأنظار في «تيت مودرن» عام 2003 بمشروع انستاليشن سمي «الشمس الزائفة»، وقد جذب جمهوراً كبيراً في حينها قدر بنحو مليوني مشاهد. «الأولمبياد الثقافي» هو التسمية الرسمية التي أطلقت على الأنشطة الإبداعية الموازية للأولمبياد الرياضي، ويمتد على اثني عشر أسبوعاً بدءاً من 21 يونيو/حزيران 2012 ، قبل موعد الأولمبياد رسمياً، حتى 9 سبتمبر، وهو الموعد الذي تختتم فيه الألعاب الأولمبية في جزئها المسمى «بارالمبيك»، أي الجزء الخاص بأولمبياد المعاقين الذي كان اقترحه جراح أعصاب بريطاني عام 1948 لمساعدة ضحايا الحرب العالمية الثانية في المشاركة في الأولمبياد، واعتمد في تلك الألعاب منذ ذلك الحين. بعض الأنشطة بدأت قبل شهور، مثل ورشات العمل، وبعضها موجه للأطفال أو الناشئة، مثل ورشة عمل في «تيت غاليري» للفنون البصرية، حيث قام الصغار بإنجاز فيلم رسوم متحركة، كتابة وتصويراً وإخراجاً وسيعرض الفيلم في مراكز عدة. وافتتحت «بورتريت ناشيونال غاليري» معرضاً فوتوغرافياً بعنوان «الطريق إلى الأولمبياد»، وهو مشروع بصري مفتوح ومتجدد يساهم فيه فنانون يوثقون بصرياً للعاملين في مشروع الأولمبياد من رياضيين وسياسيين وغيرهم. التفاصيل حول برنامج الأولمبياد الثقافي تنشر تباعاً وكلما توافرت الصيغة النهائية لها، وقالت روث ماكنزي المديرة التنفيذية في لقائها بأعضاء مجلس مدينة لندن، إن استطلاعاً للرأي بيّن ارتفاع نسبة الاهتمام بالأنشطة الموازية للرياضة، وأنها تتوقع ارتفاع تلك النسبة مع توفر تذاكر الدخول إلى الأنشطة العامة في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.