جدار ضخم يلتف حول المدينة، يمر عبر الشوارع والميادين. يقسم الأحياء والجسور والبيوت. جدار أصم وحيادي لا يشي بشيء، يتداخل بهيئته الأفعوانية مع معالم المدينة ويضفي على المشهد شيئاً من الرهبة. هذا الجدار الذي يفصل بين معالم المدينة ما هو إلا نُصْب تذكاري متخيَّل للثورة المصرية. يبدو النصب الهائل أمام أعيننا للوهلة الأولى كأنه ترجمة بصرية لما يعتري المشهد المصري من تناحر وانقسام وصراع وجود يستعر في الشوارع والمدن والبيوت. ويُلخَّص المشهد المستعر عبر مجموعة من الصور الفوتوغرافية عرضت أخيراً في وسط القاهرة ضمن مهرجان «فوتو كايرو 5» الذي ينظمه مركز الصورة المعاصرة للسنة الخامسة على التوالي. ونظم المهرجان تحت عنوان «عن فضول وليس عن اقتناع»، وتتوزع الأعمال المشاركة فيه بين أماكن مختلفة في وسط القاهرة، منها «مركز الصورة المعاصرة»، وغاليري «تاون هاوس»، و «مركز بيروت» ومعهد غوته وواجهة أحد المحال في شارع محمود بسيوني، ويضم أعمالاً في الفيديو والفوتوغرافيا والتجهيز ل15 فناناً وفنانة من مصر وأوروبا. يستقي مهرجان «فوتو كايرو5» عنوانه من تعليق عابر ورد في عمل المصور والناقد الألماني هارون فاروقي والذي تضمن مشاهد التقطها مصوّر من تلفزيون الدولة في رومانيا إبان الثورة التي اندلعت هناك العام 1989. «عن فضول وليس عن اقتناع»، هي جملة جاءت على لسان المصور الروماني تعليقاً على تلك المشاهد التي التقطها حينئذ لمظاهر الاحتجاج التي اندلعت في بلاده ضارباً عرض الحائط بما تلقى من تعليمات. يتعامل مهرجان «فوتو كايرو5» مع هذه التحولات ووجهات النظر الشخصية، ويبحث في قدرة الفن على التأثير الجماهيري. ويناقش أوضاع تلك القوى الفاعلة التي تؤدي دوراً في صوغ الواقع. وتكشف الأعمال المعروضة أجساداً ومواد ومعارف لم تتصالح مع محيطها السياسي أو المعماري أو المؤسساتي، حيث تتحول عين المشاهد بين عدد من الأعمال البصرية المتباينة، وغير المرتبطة بموضوع مشترك. فمن ذلك الحائط أو النصب التذكاري المستحيل الذي يحيط بالمدينة ليحيي ذكرى الثورة، إلى مشهد رقص هستيري قرب موقع البرلمان الأوروبي الحالي، وانتهاءً بميزان القوى العبثي الذي تنطوي عليه إعادة تمثيل مشهد اعتقال مواطن خرج عن السيطرة. وعُقد على هامش المهرجان مؤتمر في معهد غوته حول الصورة المعاصرة، تعرّض المشاركون فيه لذلك الجدل المحتدم بين الفنانين حول علاقتهم بالسياسة من زاوية كونهم فنانين أو نشطاء أو مواطنين عاديين. وسعى المؤتمر إلى توسيع حلقة النقاش حول تلك المقولة المتكررة والتي تفيد بأنه لحن وقت ولادة فن معبّر عن الثورات القائمة، وهو ما يعرقل العديد من العمليات الإبداعية التي تمضي قدماً رغم كل شيء في خضم تلك اللحظة المبكرة والاستثنائية والمثيرة في عمر الشعوب. هارون فاروقي وتضمنت النشاطات تقديم برنامج عروض لعدد من أعمال هارون فاروقي، بالتعاون مع مركزي «بيروت» و «سيماتك» ومعهد غوته، في سياق مشروع بحث دولي طويل الأمد لفاروقي يحمل عنوان «العمل من خلال لقطة واحدة»، وكان أطلقه بالشراكة مع الناقدة الألمانية والسينمائية أنتيه إهمان، ويشمل سلسلة ورش صناعة أفلام في 16 مدينة حول العالم، بينها القاهرة. وهارون فاروقي (1944) مصور ومخرج ألماني من أصل هندي، ذاع صيته لأعماله الوثائقية التجريبية التي يقدمها منذ العام 1969. وهو يلفت اهتمام المشاهد في أعماله التي تفوق مئة فيلم وتجهيز إلى التعقيدات البصرية والخفية التي تنطوي عليها الحياة اليومية، حيث يتجاوز كل ما هو معهود بعين ناقدة وراصدة، ومن ثم يطرح تساؤلات حول التعايش المجتمعي وموازين القوى والسياسة وقسوة الحرب والتزايد المطرد لهيمنة رأس المال. ويستعين بتقنيات تصوير ومونتاج مميزة من أجل تقويم عملية اختلاق العادات الإدراكية وكيفية تأثرها بظهور التقنيات الجديدة. يذكر أن «مركز الصورة المعاصرة»، وهو مؤسسة فنية غير ربحية مستقلة أنشئ في القاهرة عام 2004 ، ويهتم بالأدوار المتعددة للصور الفوتوغرافية في المجتمع. وتوفر مدرسة التصوير الفوتوغرافي في المركز دورات تدريبية وورش عمل ومرافق تقنية واحترافية سعياً إلى تنمية الإمكانات المحلية والإقليمية للفنون البصرية بشكل موسّع ومؤثّر.