نيويورك، لندن، جدة - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - في وقت رفعت الدول المجاورة لسورية درجة التأهب في قواتها المسلحة استعداداً للضربة العسكرية التي أعلنت الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا أنها ستوجهها إلى النظام السوري رداً على استخدامه السلاح الكيماوي، أفشلت روسيا والصين مجدداً امس الإجماع في مجلس الأمن، من خلال رفضهما مشروع قرار تقدمت به بريطانيا يسمح باتخاذ «الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين» في سورية «بموجب الفصل السابع». في هذا الوقت، بحث وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل في جدة أمس، تطورات القضية السورية مع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، وقالت «وكالة الأنباء السعودية» إن اللقاء جرى بحضور نائب وزير الخارجية الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز. وفي تصريحات لاحقة في أنقرة، قال داود أوغلو إن «كل الخيارات مطروحة» في ما يخص سورية، وإن «القوات المسلحة التركية في حالة تأهب قصوى وستتخذ ما يلزم من إجراءات لحماية المصالح التركية». وقال للصحافيين: «منذ (مسألة) الأسلحة الكيماوية، نحن بالتأكيد في أقصى درجات التأهب»، موجهاً تحية إلى القوات التركية المنتشرة على طول الحدود المشتركة مع سوريا والبالغة 910 كيلومترات. وفي عمان، قالت مصادر أردنية رفيعة المستوى ل «الحياة» أمس، إن طواقم عسكرية أميركية وغربية نُقلت خلال الأيام القليلة الماضية من إحدى المناطق الصحراوية جنوب الأردن، إلى الحدود الأردنية - السورية، للتعامل مع تطورات الملف السوري. وأكدت المصادر التي اشترطت عدم كشف هويتها، أن وظيفة هذه الطواقم تتمثل بالدرجة الأولى في احتمال دخول بعض المناطق السورية الحساسة للسيطرة على مواقع الأسلحة الكيماوية. وأوضحت أن الضربة العسكرية ستنفذ بالأساس عبر البوارج البحرية والطائرات الحربية وراجمات الصواريخ، وستعمل على إقامة مناطق عازلة في جنوب سورية وشمالها، وفي لحظة متقدمة سيطلب من الأردن بعض التسهيلات على الأرض. من جهته، اعلن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أن القوات العراقية وضعت في حالة تأهب قصوى قبل الهجوم المتوقع على سورية، وأضاف أن «جميع القوى الأمنية والسياسية في بغداد والمحافظات والعراق أجمع باتت في حال استنفار قصوى وحالة إنذار شديدة على مستوى التحديات الأمنية والإجراءات». وقررت إسرائيل، التي نشرت دفاعاتها الصاروخية قبالة الجبهة مع سورية، استدعاء عدد محدود من جنود الاحتياط في إطار التحضيرات لاحتمال توجيه ضربة عسكرية غربية إلى سورية. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن الجنود الذين سيستدعون سينضمون إلى وحدات متمركزة في الشمال. وفي مقر الأممالمتحدة في نيويورك، عقدت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن جلسة مشاورات غير رسمية ناقشت خلالها مشروع قرار بريطاني «يسمح بكل الإجراءات اللازمة بموجب الفصل السابع في الأممالمتحدة لحماية المدنيين من الأسلحة الكيماوية» في سورية. واستمر الاجتماع ساعة واحدة خرج في ختامه مندوبا روسيا والصين من الغرفة، فيما استكمل مندوبو الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا مشاورات مغلقة خرجوا بعدها من دون الإدلاء بأي تصريح. واكدت وزارة الخارجية الاميركية ليلاً انها لاترى اي مسار الى الامام في مجلس الامن بسبب الموقف الروسي، مشيرة الى ان النظام السوري لايمكنه الاختباء وراء اعتراض موسكو. واكدت ان الهجوم الكيماوي يشكل تهديداً لمصالح الأمن القومي الاميركي في الشرق الاوسط. وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة بدأت المملكة العربية السعودية وقطر الأردن والإمارات والمغرب ومصر وتركيا البحث في عناصر مشروع قرار يحمّل النظام السوري مسؤولية استخدام الأسلحة الكيماوية، ويدعو إلى إجراء المحاسبة. وستعقد الدول السبع مشاورات في شأن مشروع القرار مع الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا غداً الجمعة. وقال السفير السعودي عبدالله المعلمي، إن سفراء الدول السبع «راجعوا عناصر مشروع القرار وتقدم بعضهم بمقترحات وأعدناه إلى العواصم للمراجعة»، لكنه استبعد أن يطرح مشروع القرار رسمياً أمام الجمعية العامة قبل نهاية الأسبوع المقبل. وأكد أن «هناك ما يكفي من القرائن والأدلة لإثبات مسؤولية النظام السوري عن جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية». وكان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ قال إن على مجلس الأمن العمل على وقف إراقة الدماء في سورية من خلال اعتماد المشروع البريطاني، وصرح للصحافيين: «نعتقد أن الوقت حان لنهوض مجلس الأمن بمسؤولياته بخصوص سورية، وهو ما لم يقم به على مدى فترة العامين ونصف العام الأخيرة». ومضى يقول إنه يخشى أن تتدخل روسيا والصين لإحباط مشروع القرار. لكن موسكو رأت أنه «من السابق لأوانه» مناقشة أي تحرك لمجلس الأمن قبل أن يقدم مفتشو الأممالمتحدة تقريرهم عن استخدام أسلحة كيماوية في سورية. ونقلت وكالة الأنباء الروسية «إنترفاكس» عن نائب وزير الخارجية فلاديمير تيتوف قوله، إن «مناقشة أي رد فعل في مجلس الأمن الدولي قبل أن يقدم مفتشو الأممالمتحدة العاملون في سورية تقريرَهم، هو في الحد الأدنى سابق لأوانه». وأضاف أن بلاده تؤيد دعوة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لإيجاد حل ديبلوماسي للنزاع. ودعا بان مجلس الأمن المنقسم إلى توحيد مواقفه، وقال في خطاب ألقاه في قصر السلام في لاهاي: «على مجلس الأمن الاتحاد للتحرك من أجل السلام»، مشدداً على أنه «وصلنا إلى اللحظة الأكثر خطورة في هذا النزاع». وأضاف أن على المجلس أن «يستخدم سلطته من أجل السلام»، وأن «السوريين يستحقون حلولاً وليس صمتاً»، مؤكداً أن «سورية هي أكبر تحد في عالم اليوم». وقدمت بريطانيا مشروع القرار بعد ساعات من إعلان رئيس وزرائها ديفيد كامرون في بيان أنه والرئيس الأميركي باراك اوباما «ليس لديهما أي شك حول مسؤولية نظام الأسد في هجوم كيماوي». وتستعجل إدارة الرئيس باراك أوباما توجيه ضربة إلى سورية، وتتخوف -وفق مسؤولين أميركيين- من أن تأخيرها «قد يؤدي إلى اعتداءات أخرى بالسلاح الكيماوي» في هذا البلد. وأكد هؤلاء أن هناك احتمالاً بأن يستخدم نظام الأسد أسلحة مماثلة في حلب، حيث تسجل قوات المعارضة تقدماً على الأرض، مشددين على أن التحرك العسكري الأميركي لن يكون منفرداً، بل يجب أن تشارك فيه دول حليفة، وأنه قد يستغرق أياماً عدة. وقام مفتشو الأممالمتحدة أمس بزيارة مناطق في الغوطة الشرقيةلدمشق، وقال شهود إنهم عاينوا نقاطاً طبية ضمت إصابات، حيث أخذوا عينات من المصابين، إضافة إلى معاينة مكان سقوط صاروخ يعتقد أنه حمل مواد كيماوية في هجوم الأربعاء الماضي. وقال بان إن المفتشين يحتاجون إلى أربعة أيام للانتهاء من تحقيقاتهم، وصرح للصحافيين: «إن صلاحياتي ومسؤولياتي في هذا الوقت هي إجراء تحقيق دقيق وكامل»، مضيفاً: «دعوهم (المفتشون) ينتهون من عملهم خلال أربعة أيام»، مشيراً إلى أن النتائج التي سيتوصلون إليها سيتم تحليلها وإرسال النتائج إلى مجلس الأمن. وصرح الموفد الدولي والعربي إلى سورية الأخضر الإبراهيمي في مؤتمر صحافي أمس في جنيف، أن ضوءاً أخضر من مجلس الأمن الدولي ضروري للتدخل عسكرياً في سورية. وقال في مؤتمر صحافي في جنيف: «أعتقد أن القانون الدولي واضح بخصوص هذا الأمر. القانون الدولي ينص على أن العمل العسكري يُتخذ بعد قرار من مجلس الأمن. هذا ما ينص عليه القانون الدولي». وكان حلفاء دمشق صعّدوا وتيرة تحذيراتهم من احتمال اللجوء إلى القوة العسكرية ضد نظام الأسد، وأكد المرشد الإيراني علي خامنئي أن «التدخل الأميركي سيكون كارثة للمنطقة»، معتبراً أن «تدخل قوى أجنبية ومن خارج الإقليم في إحدى دوله لن يؤدي إلا إلى إشعال حريق وسيزيد كراهية الشعوب هنا لهم»، وتابع: «هذا الإشعال للحريق يشبه شرارة في مخزن للبارود أبعاده ونتائجه غير معروفة». وقال خامنئي: «من المؤكد أن أي تدخل أو دق طبول الحرب سيضر أولئك الذين أشعلوا هذه النيران». وتابع: «إذا أقدم الأميركيون على هذا العمل فمن المؤكد أن ضرراً سيلحق بهم مثلما حدث مع تدخلهم في العراق أو أفغانستان». وشنت موسكو حملة ديبلوماسية واسعة لإقناع الدول الغربية بمخاطر توجيه ضربة لسورية، وأجرى وزير خارجيتها سيرغي لافروف سلسلة اتصالات هاتفية شملت نظيره الروسي جون كيري والإبراهيمي. على الصعيد الميداني، أجرت القوات النظامية السورية خلال اليومين الماضيين تبديلات في مواقعها تحسباً، وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» إن هذه القوات «عمدت إلى تبديل مواقعها بشكل تمويهي خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية». وأوضح أن ما يجري «ليس إخلاءً، بل تبديل مواقع»، مشيراً إلى أن العملية شملت «عشرات المراكز والقيادات العسكرية وقيادات الفرق، ليس فقط في دمشق، بل في حمص وحماة (وسط) والساحل (غرب) والسويداء ودرعا (جنوب)».