لندن، باريس، نيويورك، أنقرة، برلين - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - بدأت تتشكل ملامح تحالف دولي لمعاقبة الرئيس بشار الاسد على استخدام السلاح الكيماوي في الغوطتين الغربية والشرقية لدمشق يوم الاربعاء الماضي، في وقت اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده «لن تدخل في حرب ضد أحد» إذا تبنى الغرب الخيار العسكري في سورية. في غضون ذلك، زار مفتشو الاممالمتحدة لفترة قصيرة امس منطقة معضمية الشام لاستكشاف الآثار المتبقية من استخدام الاسلحة الكيماوية. ونقلت مصادر اعلامية من المنطقة انه كان يفترض بقاؤهم في الغوطة ست ساعات غير انهم أبلغوا من مسؤولين في النظام بعد ساعة ونصف بوجوب اخلاء المنطقة، «لأنه لم يعد قادراً على ضمان سلامتهم». وكان المفتشون تعرضوا لاطلاق نار من قناصة بعد خروجهم من الفندق كما سقطت قذائف هاون قرب الفندق الذي يقيمون فيه في دمشق. وجدد مجلس الوزراء السعودي خلال جلسته أمس برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء المستشار والمبعوث الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأمير مقرن بن عبدالعزيز مناشدة السعودية المجتمع الدولي «الاضطلاع بمسؤولياته الإنسانية تجاه ما يشهده الشعب السوري من مآسٍ ومجازر مروعة يرتكبها النظام ضد شعبه بمختلف أنواع الأسلحة، بما فيها السلاح الكيماوي المحرم دولياً»، محذراً من أن «استمرار التخاذل وعدم اتخاذ قرار واضح ورادع يضع حداً لهذه المجازر البشعة سيؤدي إلى المزيد من هذه المآسي ضد أبناء الشعب السوري من النظام». وعلى رغم بدء المفتشين الدوليين عملهم، اعلنت الادارة الأميركية ان «تعاون» النظام جاء متأخراً. واكد مسؤول أميركي أنه «ما من شك في هذه المرحلة في أن النظام استخدم سلاحاً كيماوياً ضد مدنيين». واضاف المسؤول للصحافيين، الذين يرافقون وزير الدفاع تشاك هاغل أن واشنطن «تدرس خياراتها بالتشاور مع شركائنا الدوليين». وكان وزير الدفاع الاميركي اكد في مؤتمر صحافي في جاكرتا أن اي تحرك ضد سورية سيتقرر بالتعاون مع الشركاء الدوليين وعلى أسس مشروعة. وقال عقب محادثات مع نظيره الاندونيسي بورنومو يوسغيانتورو: «اذا تقرر اتخاذ اي عمل، فانه سيتم بالتنسيق مع المجتمع الدولي وفي اطار التبريرات القانونية». وتأتي تصريحات هاغل كأحدث مؤشر الى ان الولاياتالمتحدة وحلفاءها يتجهون الى احتمال شن ضربات عسكرية ضد دمشق بسبب استخدام اسلحة كيماوية سبق ان اعتبرها الرئيس الاميركي باراك اوباما بمثابة «خط احمر». وقال المسؤول الاميركي ان معاملة النظام السوري لفريق المفتشين الدوليين تعد «تكتيكات تأخير كلاسيكية». واوضح انه «مع مرور الوقت، يصبح من الأصعب جمع وفحص وتحليل المعلومات والتوصل الى استنتاج بشأن استخدام هذه الاسلحة «. ورجحت الصحف الأميركية أن يأتي التحرك على شكل شن ضربات بصواريخ «كروز» ضد نظام الأسد يمكن اطلاقها من سفن حربية في البحر المتوسط. وتزامن ذلك مع وصول رئيس الاركان الاميركي مارتن ديمبسي الى الأردن لبدء اجتماعات عسكرية على نطاق دولي شاركت فيها كندا وألمانيا وفرنسا والسعودية وقطر وتركيا وايطاليا حول سورية. وفي عمان، قالت مصادر رفيعة ل»الحياة» إن الاجتماع «سعى لبحث أمن المنطقة وتداعيات الملف السوري». وأضافت «المتوقع أن ينتهي اليوم، لكن ربما يتم تمديده يوماً آخر». وأوضحت أنه «سيناقش سيناريوهات التدخل العسكري في سورية، وإمكان تسليح المعارضة السورية المعتدلة (الجيش الحر)، إضافة إلى بناء تحالف دولي جديد خارج إطار مجلس الأمن»، مؤكدة أن الأردن سيقدم «التسهيلات المطلوبة» إذا ما استدعت الحاجة لاستخدام أراضيه في مرحلة متقدمة. وفي السياق، أكدت مصادر رسمية أن المجتمعين «سيبحثون أيضا إمكان توجيه ضربات قوية إلى التنظيمات السلفية المتشددة داخل الأراضي السورية». من جهة اخرى اعلن الكرملين ان الرئيس فلاديمير بوتين تحادث امس هاتفيا مع رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كامرون وبحثا الوضع في سورية. وكان كامرون قطع إجازته كي يترأس اجتماعاً للجنة الأزمات (كوبرا) اليوم، واكد على ضرورة القيام ب «رد جدي» على الهجوم الكيماوي. وكان وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ اعتبر في وقت سابق أمس، أن «من الممكن» الرد من دون إجماع كامل في مجلس الأمن، لكنه رفض إطلاق «تكهنات» حول سبل التحرك التي تدرسها دول غربية. وقال وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أنه لم يُتخذ قرار بعد في شأن التدخل العسكري في سورية. واضاف «الواضح الآن بفضل الروايات الواردة، هو وقوع ما أصفه بأنه مذبحة كيماوية. ومن الواضح أيضاً أن هذه المذبحة جاءت من ناحية نظام بشار الأسد. ويجب أن يكون هناك رد متناسب وعمل بتصميم وهدوء، وهذا ما سيتم تقريره خلال الأيام القليلة المقبلة». وقال وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو لصحيفة «ميلييت» أمس، إنه «ينبغي أن تتخذ الأممالمتحدة قراراً حول عقوبات. لقد فضلنا على الدوام تحركاً تحت غطاء الأممالمتحدة ومع المجموعة الدولية. وإذا لم يُتخذ مثل هذا القرار هناك خيارات أخرى على الطاولة». وشدد الوزير التركي على أن «نحو 36 أو 37 دولة تناقش هذه الخيارات». وأكد وزير الخارجية الروسي لافروف أن بلاده «لن تدخل في حرب ضد أحد» إذا تبنى الغرب الخيار العسكري في سورية. لكنه قال إن شن عمليات عسكرية خارج مجلس الأمن «مخالفة جسيمة للقانون الدولي وتداعياتها جربت في العراق وليبيا»، وعبر عن قناعة بأن «إطاحة النظام السوري لن تنهي الحرب الأهلية في هذا البلد». وكان لافروف حذّر في حديث هاتفي مع نظيره الأميركي جون كيري قبل أقل من 24 ساعة من «عواقب وخيمة» قد تسفر عن التصعيد العسكري في سورية. ونقلت وكالة انباء «تاس» عن مصدر بوزارة الدفاع، أن موسكو لم تضع خططا لتعزيز تواجد سفنها الحربية في البحر المتوسط على خلفية تصاعد التوتر حول سورية. كما لم تنظر في إمكان إجلاء الخبراء الروس العاملين في قاعدة طرطوس حيث تحتفظ موسكو بمركز صيانة وتموين للسفن. وفي نيويورك، أكدت الأممالمتحدة أن لجنة التحقيق ستواصل أعمالها اليوم في الغوطتين «بعد جمعها عينات ومعلومات مهمة أمس خلال زيارة مستشفيين ومعاينة ضحايا رغم تعرض إحدى سياراتها للقنص». وقال مصدر ديبلوماسي غربي في مجلس الأمن إن «المعلومات تؤكد أن أسلحة كيماوية استخدمت بالفعل في الهجمات الأخيرة في الغوطة ولسنا في حاجة الى انتظار نتائج عمل لجنة التحقيق للبت في ما إن كانت تلك الأسلحة قد استخدمت أم لا». وحمل المصدر نفسه «النظام السوري مسؤولية عرقلة وصول المحققين الدوليين الى المواقع التي تعرضت للقصف لمدة خمسة أيام ومحاولة طمس معالم الجريمة من خلال القصف الثقيل والمركز على تلك المواقع بهدف تدمير الأدلة». وقال ديبلوماسيون إن «اللجنة ستقدم تقريراً بنتائج تحقيقاتها الى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في أسرع وقت بعد انتهاء تحليل العينات التي جمعتها وهو ما يتطلب التحضير للمرحلة المقبلة لتحديد الجهة المسؤولة عن استخدام أسلحة كيماوية ومحاسبتها». ودان «الائتلاف الوطني السوري» المعارض «ما قامت به ميليشيات اللجان الشعبية التابعة لنظام الأسد (...) باستهداف سيارات تقل طاقم اللجنة الأممية برصاص القناصة، لتخويفها ومنعها من رصد الحقيقة التي ستثبت ارتكاب نظام الأسد جرائم ضد الإنسانية». ورفض مسؤولون في «الائتلاف» التحدث عن امكان عقد مؤتمر جنيف 2، وأكدوا على ضرورة معاقبة «بشار الكيماوي» وبعد ذلك نتحدث عن جنيف». وقال رئيس «الحزب الديموقراطي التقدمي الكردي» عبد الحميد درويش ل «الحياة» ان محادثات بين «المجلس الوطني الكردي» بزعامة عبدالحكيم بشار و»الائتلاف الوطني السوري» المعارض بزعامة احمد الجربا أسفرت عن اتفاق اولي، تضمن الاعتراف بالحقوق الدستورية للشعب الكردي واطلاق اسم «الجمهورية السورية» بدلاً من «الجمهورية العربية السورية». ميدانيا، قطع مقاتلو المعارضة طريق الامداد الوحيدة لقوات النظام الى محافظة حلب، بسيطرتهم امس على بلدة خناصر الاستراتيجية شرق حلب، بعد معارك ادت الى مقتل 53 عنصرا نظاميا، بحسب «المرصد السوري لحقوق الانسان» الذي تحدث عن مقتل قائد «قوات الدفاع الوطني» الموالية للنظام.