المُلاحظ في عدد من الأعمال التلفزيونية الدرامية التي عُرضت في هذا الموسم أنها مقتبسة عن روايات وقصص وأفلام أجنبية. الاقتباس بحد ذاته ليس عيباً ولا تهمة يوصم بها المُقتبس، فالثقافات تتلاقح وتتفاعل وتتناغم، والقضايا والمشاعر الانسانية تتشابه وتتماثل بين بني البشر. جميعنا يؤلمنا الفراق ويسعدنا اللقاء، جميعنا نفرح للولادة ونحزن للموت، جميعنا ننتشي بالحب ونيبس من دونه. اذاً، لا مشكلة في الاقتباس الذي يمكن أن يشكل مصدر غنى وثراء للشاشة العربية. المشكلة في رأينا تكمن في انصراف صنّاع الدراما العربية عن الروايات العربية التي باستطاعتها أن توفر لهم معيناً لا ينضب. ما خلا قلة قليلة من الكتّاب المتخصصين بالكتابة الدرامية التلفزيونية، نلاحظ وفرةً في النصوص الركيكة التي يكتبها هواة أو مبتدئون ويشتريها تجار لا همّ لهم سوى الكسب المادي غافلين عن حقيقة أن الفن، ومن ضمنه الصناعة التلفزيونية، ليس مجرد وسيلة للربح والكسب السريع. صحيح ان من حق العاملين في هذه الصناعة أن يستردوا ما يستثمرونه في هذا المجال وأن يربحوا من خلال مهنتهم، شأنهم شأن العاملين في أي مهنة أخرى، لكن الصحيح أيضاً أن الفن لا يمكن التعامل معه من منظور تجاري بحت لأنه في هذه الحالة يخسر قيمته الابداعية التي تجعله متميزاً عن سواه. لقد راجت في مصر في فترة من الفترات سينما المقاولات، والمقصود بها تلك الأفلام التجارية الرديئة الخالية من أي بعد جمالي أو فني والمشغولة فقط لأجل العمل التجاري. حينها أطلق النقاد مصطلح سينما المقاولات للتمييز بينها وبين الصناعة السينمائية الحقيقية التي لا يعيبها أن تضع شباك التذاكر في حسبانها، لكنها لا تنطلق فقط من هذا الحسبان بل تراعي الشروط المهنية والفنية والجمالية الضرورية لكي تنتج أفلاماً جيدة، واليوم نخشى أن يصيب الدراما بعض ما أصاب السينما. لا ندعو في هذه الأسطر الى دراما نخبوية لا تلامس الشريحة الأوسع من الناس وتكتفي بإرضاء النقاد. فالتلفزيون يختلف عن السينما بأنه يأتي الينا في بيوتنا بدل أن نذهب اليه، لذا تلقي الصناعة التلفزيونية على عاتق العاملين فيها أعباء مختلفة عن تلك التي تصيب صنّاع السينما، لكن مع ذلك يظل ملحّاً وضرورياً التوفيق بين السعي الى كسب نسبة عالية من المشاهدين والحرص على جودة العمل والتذكر دوماً أن الفن ليس مجرد «بضاعة». ما ندعو اليه هو ضرورة انفتاح المنتجين في ميدان الدراما التلفزيونية على الأعمال الأدبية المحلية ومنحها فرصة «الاطلالة» عبر الشاشة. ثمة روايات عربية كثيرة تستحق أن تتحول أفلاماً ومسلسلات، ولو حظينا ببعض المنتجين المتنورين أو المثقفين لكانوا أدركوا أن الأعمال الروائية العربية فيها مما يصلح للشاشتين ويثريهما ويغنيهما. لو عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء لاكتشفنا أن من بين أهم الأفلام والمسلسلات التي نالت نجاحاً باهراً على المستويين الشعبي والنقدي هناك أعمال مأخوذة عن روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وسواهما، لذا من المفيد لفت انتباه المنتجين الحاليين الى هذا الأمر ودعوتهم الى تحويل الروايات العربية الجيدة أعمالاً تلفزيونية تشبه الواقع الذي نحياه وتضيء على شؤونه وشجونه، بدلاً من الاكتفاء بالاقتباس أو بكتابات ركيكة لا تصلح للعرض حتى في شاشات مدرسية.