الاقتباس أمر دارج ومتعارف عليه منذ نشأة فن السينما، وكذلك في الدراما التلفزيونية، ربما يتوارد على ذهن الكثير من الجمهور عندما يسمع كلمة "اقتباس" معان سلبية كالتقليد المزيف والعمل الأقل درجة من العمل المقتبس منه، إلا أنه في كثير من الأحيان يكون الاقتباس أفضل من الأصل. فالاقتباس ليس تقليدا، الاقتباس هو تحويل العمل من مجتمع إلى مجتمع آخر ومن لهجة إلى لهجة أخرى تناسب البيئة والمجتمع المحاكى في العمل. والاقتباس له أشكاله المختلفة، منها "اقتباس فكرة مسلسل أجنبي وتحويلها إلى مسلسل عربي، اقتباس فكرة فيلم صيني وتحويله إلى فيلم أميركي وهكذا..." ومن أشهر الاقتباسات في السينما العالمية فيلم "فينل سكاي" لنجم هوليوود توم كروز المقتبس عن فيلم إسباني وكانت النسخة الأميركية المقتبسة أفضل بكثير من النسخة الأصلية المقتبس عنها. ومن بين الأعمال الدرامية في رمضان هذا العام والتي تنافس بقوة على جذب المزيد من المشاهدين عبر العديد من القنوات الفضائية يتصدر الزعيم نجم العرب عادل إمام الصفوف بمسلسله "العراف" الذي يحقق نسبة مشاهدة عالية وجماهيرية قوية من خلال عرضه على شاشة "إم بي سي 1" مع احتدام الصراع في أحداث المسلسل وتزايد نسبة التوتر بصفة مطردة. وفي أثناء عرض الحلقتين الثانية والثالثة لاحظت أن فكرة المسلسل وهي قيام النجم عادل إمام بانتحال شخصية لواء في مباحث الأموال العامة من أجل سرقة رجال الأعمال وخداعهم عندما أوحى لهم بأنهم مطلوبون للسلطة بسبب استيلائهم على الأموال العامة، مقتبسة عن الفيلم الهندي (سبيشل 26) من بطولة أكشي كومار وتم عرض الفيلم في شهر فبراير الماضي، وكانت قصته تحكي عن حادثة واقعية في أواخر الثمانينات في مومباي عندما قام شاب هندي ومجموعة معه بانتحال شخصيات فرقة المخابرات المركزية وقاموا بسرقة التجار ورجال الأعمال في الهند. والحقيقة أن هذه الملاحظة أو اقتباس هذه الفكرة تحديداً ووضعها ضمن السياق الدرامي للأحداث لا يقلل من شأن مسلسل "العراف"، بل يدل على الذوق الجميل الذي تحلى به كاتب المسلسل والمخرج إذا كان فعلا المسلسل مقتبسا من الفيلم الهندي الرائع ولم يكن مجرد صدفة تشابه بالنصوص. وإن لم يكن مجرد مصادفة فهو يبرهن أيضا على أن الدراما العربية والقائمين عليها من كتاب ومخرجين بدأوا يتطلعون إلى الثقافات السينمائية والدرامية الأخرى التي لا تتوقف عند هوليوود فقط بل بدأوا يتطلعون إلى السينما الهندية والإسبانية والصينية واقتباس ما هو جيد منها وتحويله إلى مسلسل درامي عربي رائع معبراً عن بيئة أحد الشعوب العربية بما يتناسب مع مجتمعاتنا وحياتنا واختيار نجوم لامعة للقيام ببطولته مثل الزعيم "عادل إمام". وأرى أن هنا بدأت تتحقق بعض رغباتنا عندما نشاهد فيلما أو مسلسلا أجنبيا ونتمنى أن يقوم به أحد الممثلين العرب وتمثيله لنا. الفيلم الهندي (سبيشل 26) كان من أفضل الأفلام التي شاهدتها هذا العام والآن مسلسل العراف لا يزال هو الأفضل بين الأعمال الدرامية في رمضان من ناحية الحبكة الدرامية والأداء الذي لا يشق له غبار من قبل الزعيم عادل إمام على رغم أن فكرة العراف مقتبسة من الفيلم الهندي إلا أنه قدّم بمعالجة مختلفة وربما تكون ممتعة لا تقل عن مستوى الفيلم الهندي بل ربما تتفوق عليه.