في مسجد إحدى قرى مركز القوز وسط محافظة القنفذة يستعد إمام المسجد لتعليق لوحات توجيهية جديدة تتضمن أحاديث وآيات وفتاوى وكلمات ناصحة طبعت بصورة احترافية. أخذ ينفض الغبار عن طاولة المسجد الرئيسة التي تستعد لاستقبال بعض الدعاة لإلقاء مواعظهم حسب الجدول المعدّ لذلك، ثم انتقل ليقلب أوراق كتابه التقليدي «دروس رمضان» لتجهيز الكلمات التي سيقوم ببثّها عبر إذاعة المسجد بعد صلاة العصر من كل يوم رمضاني، مؤذن المسجد الساعد الأيمن للإمام أخذ يبسط ورقة إعلانية ضخمة خارج المسجد احتوت بشارة بعودة مسابقة رمضان الأسرية التي تنفذها جماعة المسجد كل عام وخلال شهر رمضان فقط. يبدو أن بعض المساجد المنتشرة في أطراف المملكة بصورة «شبه عشوائية» غائبة عن دورها المجتمعي الأصيل كمنبر لتعليم الناس الخير وشؤون دينهم ودنياهم، حتى يبدو هلال رمضان مضيئاً في قلب السماء لتستعيد تلك المساجد دورها بالترتيب مع الدعاة والعلماء لإلقاء الكلمات والمواعظ، وترتيب برنامج اجتماعي وثقافي ودعوي لتنشيط دور المسجد وإغناء رواده. يؤكد عايش الغامدي أحد أئمة مساجد القنفذة أن مثل هذه البرامج تذكي الحالة الاجتماعية لدى مرتادي المسجد، وتحيي الروابط بين الجيران، وتؤجج التواصل بصورة ملفتة وعجيبة، في المقابل، يشكو مؤذن المسجد الآخر صديق بن جده من غياب النشاط في مسجده، وذلك لقرب مسجد الإمام الغامدي الذي لا يبعد سوى خطوات عن الآخر، مما تسبب في تشتيت الجماعات وتبديد الجهود وإضعاف سواد المسلمين بين كلا المسجدين. ويذكر أحمد فيحان المشرف على مسابقة المسجد الرمضانية أنه يقوم بتعويض النقص الحاصل عن غياب التنسيق من الجهات المختصة، إذ يتطوع في جمع تبرعات جوائز المسابقة الرمضانية، ويجتهد في رسم شكل المسابقة وتفاصيلها، ثم يعمل على نشرها دون أدنى اهتمام من الجهاز المشرف على المساجد، أو إلزام الأئمة ببرنامج رصين لمسجده ومأموميه، ويؤكد أن المسجد يظلم على امتداد العام ولا يكاد يضيء نشاطه إلا خلال هذا الشهر فقط، ويعيد ذلك إلى الأسباب التي ذكرها آنفاً. في السياق ذاته يتحدث الشيخ علي عبد الهادي الحسناني أن المساجد لا يمكن أن يقف بها الحال على هذه الصفة من تعطيل دورها الاجتماعي والتنويري، إذ إنها جعلت للصلاة والعبادة إلى جانب اهتماماتها بتعليم الناس ووعظهم، ويؤكد تعطش الناس إلى مثل هذه الأعمال والأنشطة التي يكون أحوج إليها في غير هذا الشهر الذي يتكفل المحيط الاجتماعي والنسائم الروحانية خلاله بإذكاء القلوب، وإحياء النفوس وإشعال التنافس على التعبد والتقرب إلى الله، ولكن انخفاض هذا المنسوب الإيماني في غير هذا الشهر تستلزم برنامجا مسجدياً متقناً تشرف عليه الجهات الرسمية لضمان انضباطه واعتداله.