على الرغم من أن ضيفنا في هذا الحوار يؤم المصلين في مسجد صغير بمكةالمكرمة وهو مسجد (سيد المحراب) بحي الهجرة إلا أنك حين تحاول الصلاة خلفه في صلاة جاهرة رمضانية فإنك لن تجد موضع قدم داخل المسجد، بل ولا خارجه لتصلي فيه إن لم تستعد للحضور مبكرًا، حيث يقبل المصلون على مسجده في ليالي رمضان من كل أنحاء مكةالمكرمة، وكذلك بعض القادمين لأم القرى بكثافة رغبة في الاستماع لصوته الندي الذي امتاز وعرف به بين أقرانه من الأئمة، إنه الشيخ الدكتور محمد صالح شاه. * المدينة استضافت شاه في هذا الحوار السريع الذي فتح فيه قلبه متحدثًا عن بداياته الأولى مع حفظ كتاب الله تعالى، وأثر الحصوات وحي الكدوة في تلك البدايات، وعن قصة إمامته الأولى التي واجه فيها المصلون وعن قضايا عديدة ستجدها قارئنا العزيز في ثنايا هذا الحوار: * متى بدأتم حفظ القرآن؟ وكيف كانت تلك البدايات؟ في سن السادسة من عمري بدأت حفظ القرآن، وحفظته كاملًا في الحادية عشرة من عمري. كانت بداية الحفظ في مسجد الأركان بالكدوة، برغبة أكيدة وحرص شديد ومتابعة دائبة من الوالدين رفع الله مقامهما وأعلى منازلهما في الدارين، وكان لجدي من جهة أمي دور في ذلك رحمه الله. * كيف ترون إقبال الناس في هذا الشهر المبارك “رمضان” من حيث الإقبال على الصلاة وفعل الخيرات؟ هذه الأمة موصوفة بالخيرية، والخير باقٍ في هذه الأمة، ومع كل المؤثرات القوية من القنوات الإعلامية إلا أن حب الخير والحماس في عمل الخير تبقى سمة بارزة في أبناء الأمة، فالمساجد تتغير أحوالها في رمضان عن غيرها من الأوقات حيث نلاحظ الارتياد الكبير من المصلين لأداء الصلاة جماعة، وكذلك التالين للقرآن والمساهمين في أعمال الخير، ولكن مع كل ما ذكرت فالأمر ليس بالشكل المأمول، فبمقارنة بسيطة بين صلاة العشاء مثلًا وصلاة الظهر أو العصر سندرك الفارق الكبير، ثم من جانب آخر يكون الحماس واضحًا في البدء ثم نلاحظ أن الحماس قد انخفضت وتيرته مع نهاية الشهر. * ما هي واجبات إمام المسجد تجاه جماعته؟ وما الذي يجب أن يقوم به المصلون مع الإمام في كل أيام السنة، وخصوصًا في هذه الأيام الفاضلة؟ واجبات إمام المسجد تجاه جماعة المسجد كثيرة. من أهمها: أولًا: الجانب الاجتماعي: - تقديم النصح والتوجيه السديد بشكل عام-مبادرة الإمام إلى غرس روح المحبة والإخاء من خلال إحياء مبدأ التعاون الجماعي بين جماعة المسجد وجيرانه- إيجاد أو تكوين مجلس من أهل الخبرة والخير من جماعة المسجد لتناول قضايا الحي وتقديم المشورة في ذلك- إحياء مفهوم الزيارات المتبادلة {الزيارة في الله}وليست لمصالح دنيوية، حتى تبقى جماعة المسجد متعاونة ومتعاضدة في السراء والضراء. * الجانب التعليمي والتثقيفي:- أحياء حلقة القرآن- درس يومي - الاستعانة بالدعاة في إلقاء الدروس والمواعظ- استغلال خطبة الجمعة في تقديم المعلومة المفيدة الموجزة. * الجانب السلوكي: - أن يكون الإمام قدوة في سلوكه فيبادر بالسلام والسؤال عن حالهم –وخاصة الغائب منهم- والتعامل بالقول الجميل وتواضع الجانب. * بمن تأثرتم في قراءتكم من المشايخ المعروفين؟ ومن هو الخطيب الذي يستميلكم في خطبه؟ من أكثر المشايخ الذين تأثرت بقراءتهم: الشيخ إبراهيم الأخضر"أمده الله في عمره " الشيخ علي جابر -رحمه الله- الشيخ سعيد العبدالله -رحمه الله- الشيخ عبدالغفار الدروبي رحمه الله، أما بالنسبة للخطباء أحب دائمًا الاستماع إلى خطب أئمة الحرمين وبالأخص معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد، ففضيلته يعتبر من الموهوبين في إعداد الخطبة، بل اعتبره مدرسة متميزة في طرحه وتناوله لقضايا الأمة من خلال خطب الجمعة. * ما هي الوسائل والطرق التي ترونها مناسبة ليؤدي المسجد رسالته بالكامل؟ - من أهم الوسائل والطرق لتفعيل دور المسجد بالكامل: الوسيلة الأولى: استغلال واستشعار الإمام مسؤوليته (أي المحراب والمنبر) بشكل جيد، وحضوره الدائم ليبقى على علم بأحوال المسجد وطرحه للأفكار والرؤى ذات العائد الجيد على معنويات وسلوكيات وقضايا وأحوال الحي. الوسيلة الثانية: أرى أن تقوم إدارة الأوقاف والمساجد في المحافظات بحصر دقيق للدعاة، ثم توزيع الدعاة بشكل مبرمج ودقيق على جميع مساجد المحافظة وليست على الجوامع فقط أو على المساجد القائمة على الخطوط السريعة أو مساجد معينة، وذلك للمساهمة الشمولية في أداء رسالة المسجد. الوسيلة الثالثة: هذه الوسيلة اعتبرها في غاية الأهمية وهي اختيار الأئمة بشكل دقيق من ذوي العلم والفكر السديد المتزن والسلوك السوي الذي يملك توجيه وعرض الخطاب الديني بشكل متزن جميل شيق جذاب وغير منفر. * يلاحظ وبشكل لافت إقبال الناس على الطاعات والعبادات في هذا الشهر، ما لسبب من وجهة نظركم؟ وكيف يمكن لنا معالجة حالة الفتور والتكاسل بعد انقضاء رمضان؟ - باختصار هناك عدة أسباب: مدرسة الصوم في الإسلام لها ميزة خاصة، تغير من نظام الإنسان في حياته، وهذا التغيير من أقوى الأسباب في توجه المسلم إلى تغيير نمط الحياة، وتجديد الروح المعنوية والرغبة في تحول الإنسان من صخب الحياة ومتاعبها إلى أيام يتفرغ فيها العبد لمولاه بشكل أكبر وأفضل، وإن كان ذلك هو المطلوب طوال العمر. - الأجر العظيم الذي رتبه الله للصائمين “هذا الجانب المعنوي” من أقوى الجوانب النفسية للاندفاع إلى الصوم وأعمال الخير. إن زيادة الأجور على الأعمال الصالحة وخاصة في رمضان باعث حقيقي على انخراط المسلم لاغتنام الفرص الثمينة والأوقات الغالية في عمل الخير - شعور المسلم بأنه لن يكون مؤمنًا كامل الإيمان إلا إذا أدى هذا الركن، فالصوم ركن من أركان الإسلام فرضه الله على المسلمين في كل عام شهرًا واحدًا كاملًا. معالجة الفتور في الطاعة بعد رمضان: -إن من أفضل الوسائل لمعالجة الفتور بعد رمضان أن يتذكر الإنسان على الدوام أن مولاه وربه الذي صام له ابتغاء مرضاته في شهر رمضان هو ربه ومولاه في جميع الشهور، أي بمعنى إحياء مفهوم المراقبة الذاتية والمحاسبة للنفس من أقوى الأسباب لمعالجة الفتور. - صيام ست من شوال عقب رمضان - مع أنها ثقيلة على كثير من الناس، لكن المبادرة السريعة مما يمنع الفتور ويحافظ على قوة الارتباط بالله - تَذكُّر الإنسان دائمًا للأوقات الفاضلة خلال اليوم والليلة وخلال الأسبوع والشهر والسنة، وكلها من المحفزات لاستثمار الإنسان حياته في الخير ومرضاة الله. -إجراء مقارنة منطقية بالمفهوم الاقتصادي التجاري، فهل يعتبر عاقلًا من يكابد مشاق الحياة ليجمع أكبر قدر من الربح من تجارته، ثم يفرط فيه ألا يعتبر سفيهًا من يفعل ذلك، فكيف بمن يفرط في ما جمع من الخيرات العظيمة في شهر رمضان، ثم يضيعها بعد رمضان، ألا يعتبر سفيهًا من يفعل ذلك؟ فكيف بمن يفرط فيما جمع من الخيرات العظيمة في رمضان، ثم يضيعها بعده، ألا يعد هذا من أسفه السفهاء. لماذا؟ لأنه فرط في الغنائم الغالية. * ما المشكلة العامة التي تقلقك من المصلين وكذلك من المجتمع؟ - المفترض أن يكون إمام المسجد ليس جزءًا من المشكلة، ولكنه جزء من حل المشكلة، فمن الملاحظ بشكل عام أن هناك فئات من الناس يستهدفون الإمام بالنقد في كثير من الأحيان، وليس معنى ذلك أن الإمام مبرأ من الخطأ وكأنه ليس لديه شغل شاغل غير الإمام والمؤذن، وفي الوقت ذاته تجده ليس له أي مساهمة في تفعيل دور المسجد سوى النقد، وعلى الإمام أن يكون مهيئًا نفسيًا لمواجهة النقد وكيفية استيعاب واحتواء المواقف بروية وثاقب نظر، وعليه أن يوطن نفسه ويكيف وضعه بين الحزم واللين في قبول النقد مع التذرع بالصبر والمجاهدة مع النفس في تحمل المواقف بشجاعة ورباطة جأش. وجهات نظر متنوعة. * أيهما أفضل من وجهة نظركم فيما يقوله البعض من أن الصلاة في المنزل في رمضان مع التطويل والتدبر أفضل من صلاتها في المسجد مع الإمام المقصر في التراويح مع التشويش الحاصل من الأطفال؟ - هي وجهات نظر متنوعة، ولكن أداء صلاة التراويح جماعة في المسجد له مذاق خاص. * هل الأجدى لسرعة حفظ القرآن والحرص عليه "الترهيب أو الترغيب"؟ - هناك من لا يصلح معه إلا الترغيب، وهناك من لا يصلح معه إلا الترهيب وهم قلة، والجمع بينهما أولى وأميل إلى التربية والتعليم بأسلوب الترغيب وإثارة العواطف النبيلة أكثر من الترهيب. هل طبقتم توجيهات وزارة الشؤون الإسلامية بأن يكون المؤذن سعوديًا؟ وما هي معوقات التطبيق من وجهة نظركم أو مبررات بقاء غير السعودي في بعض المساجد؟ الشق الأول ما يتعلق بالمؤذن فهو مطبق في مسجدي فالمؤذن الرسمي سعودي. الشق الثاني معوقات أو مبررات بقاء غير السعودي: عدم تفرغ السعودي أحيانًا. عدم رغبة الارتباط الدائم من قبل البعض، فالأذان والإمامة كلاهما أمران يحتاجان إلى استشعار المسؤولية والارتباط بالمسجد خمسة فروض. - الجانب المالي (ضعف الرواتب) * ما رأيكم في تفريغ أئمة المساجد ووضع سلم رواتب لهم بعد اختيارهم وتأهيلهم لهذا الدور؟ -أؤيد ذلك بقوة مع إجراء دراسة متأنية في وضع الأئمة الحاليين من أصحاب الشهادات العليا والخبرة، ومن مضى لهم وقت طويل في الإمامة والخطابة. * كيف ترون أهمية دور المسجد في توعية المجتمع والتصدي للأفكار الهدامة والدخيلة؟ - أولًا: أطلب من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد إقامة لقاءات وندوات دورية مبرمجة بجدول زمني للأئمة والخطباء في جميع مناطق المملكة ومحافظاتها للتوعية بالأفكار المنحرفة وأصحابها. ثانيًا: مناصحة الأئمة الذين يحملون الأفكار المتشددة. ثالثًا: على أئمة المساجد استشعار المسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقهم في توجيه الأمة، وخاصة شبابها إلى الوسطية والاعتدال، والبعد عن التشنج في القول والانحراف في الفكر، وتحذيرهم من مخاطرها على أمن البلاد واستقرارها. * كيف نوفق بين من يختلف في عدد ركعات صلاة التراويح؟ أولًا: رأي العلماء واضح في أن هناك خلافًا في المسألة. وكلها لم تخرج عن دائرة السنة. ثانيًا: هناك مجموعة أمور لابد من أخذها في الاعتبار: موقع المسجد: المساجد الواقعة في الأماكن الرئيسية مثل الخطوط السريعة والأسواق أعتقد أن الإطالة فيها غير مناسبة. بيئة المسجد: وجود المسنين وذوي الأعذار خاصة من المسنين والمرضى ورغبتهم في أداء الصلاة جماعة في المسجد، ورغبة أهل الحي بشكل عام في الطول أو القصر أمران يجب مراعاتهما في مسألة طول الصلاة من قصرها. ثالثًا: رأيي الشخصي من باب ترغيب الناس إلى الخير وتوثيق العلاقة بالله وتحفيز الهمم خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه المغريات والمعوقات عن الخير كثيرة أميل إلى التخفيف، ولكن مع الأداء المتقن من الإمام في صلاة التراويح. * أيهما أفضل الحفظ أم قراءة القرآن في شهر رمضان؟ - غير الحافظ الأفضل له قراءة القرآن، والحافظ الواجب في حقه مراجعة القرآن ومدارسته، ومن تمكن من الجمع بينهما فذلك خير. * مع من تقفون “مصلون يشتكون من تطويل إمام مسجدهم الصلاة في رمضان وغيره، وإمام يصر على تطويل الصلاة بحجة ترسيخ القراءة وإكمال القرآن في المسجد قبل دخول رمضان” وما هي الأسباب؟ - المسألة ليست مع من أقف بقدر ما هي مرتبطة بفقه الإمام، فالواجب على الإمام مراعاة أحوال المصلين، وعدم تنفيرهم والتشديد عليهم، بل المطلوب ترغيبهم وجذبهم وربطهم بالمسجد،فلا يكون فتانًا.أما حجة إكمال القرآن وترسيخ القراءة ليس شرطًا أن يكون في صلاة التراويح، إن تيسر ذلك بدون إرهاق وتنفير للمصلين فحسن، وإلا فالتخفيف مطلوب وذلك من مقاصد الشرع الحنيف. * قضية تشغل بالكم دائمًا مع كل موسم رمضاني. أسبابها ومسبباتها. - قضية استثمار الوقت فوقت المسلم غالٍ جدًًا، والملاحظ أنه في ليالي رمضان تكثر الدورات الرياضية بشكل ملفت للنظر، وربما حتى العشر الأخير منه، وكذلك السيل العارم المتدفق من البرامج المتنوعة والمسلسلات الرمضانية التي تشغل الليالي المباركة بغير ما ينبغي أن تشغل به، وكذلك تضييع أوقات كثير من الشباب في السهر والسمر في ليالي رمضان في الأسواق والمنتديات وغيرها.. إن المحافظة على حرمة هذا الشهر، والاستفادة من كل ثانية من أيام رمضان ولياليه هو دائمًا الشغل الشاغل في حياتي، كما كان نهج السلف في ذلك.