عدت إلى بيروت ووجدت كتباً بانتظاري، أختار منها ثلاثة: «مذكرات امرأة شيعية» للدكتورة رجاء نعمة، سيرة ذاتية بدأت في صور ومرّت في باريس، والسوربون تحديداً، وتنقلت بين دول عربية، منها مصر واليمن، ووصلت أخيراً إلى الولاياتالمتحدة. هي شيعية هوايتها صغيرة، جمع أيقونات السيدة مريم. يساريةُ فلسطين في قلبها صغيرةً كبيرة، حصلت على دكتوراه في الآداب جعلتها ندّاً لأبرز مفكري العصر في فرنسا وغيرها. أعِدُ القارئ بأن يُسرّ ويستفيد من قراءة مذكرات رجاء نعمة، وأتعهد بأن أرد له ثمن الكتاب إن لم يفعل. وبما أنني لا أستطيع سوى الإيجاز، أختار من الكتاب: - صور يسكنها 15 ألف نسمة، غالبيتهم من الشيعة، مع حارة للنصارى. كانت هناك أيضاً حارة «المصاروة»، يُقال إنهم سنّة وفدوا من مصر مع حملة إبراهيم باشا. الآن سكان صور 200 ألف. - الجدّة زهية ستذهب إلى حيفا ليفحصها طبيب ألماني خبير في «الصَّرَع»، وهي تسأل عن بُعد حيفا من القدس، وتقول إن زيارة المسجد الأقصى أعظم ألف مرة من زيارة الطبيب، ولا يضاهيها من ثواب سوى الحج إلى بيت الله الحرام. - (عندما كانت المؤلفة صغيرة) بدأ الحجاب يتوارى في الأوساط الإسلامية، لم تعد تلقى في مدينة صور، وحتى في جوارها الريفي، شابة محجبة، أو حتى نصف محجبة (بعد عودتها من فرنسا). الحجاب في جنوب لبنان صار مُلزَماً، وهناك خطر أن يغدو كذلك في كل مكان... - يا أهالي صور، يا إخوة العرب، يا أصحاب الشهامة والكرامة، هبّوا لمساعدة أهلنا الهاربين من فلسطين... المؤذّنون من على المآذن، أجراس الكنائس، المنادون في الشوارع، ينادون جميعاً بالمأساة، أهالي حيفا ويافا، أهالي المدن والأرياف، أهالي القدس، مسيحيين ومسلمين، كلهم طُرِدوا من فلسطين. - جاك بيرك مستشرق موسوعي شديد الثراء، معتدّ بنفسه اعتداداً لا يعمل على إخفائه. الطالب الإيراني المنفي أبو الحسن بني صدر يقول لبيرك: النظام السياسي في إيران على حافة الانهيار، وسيتغير على يد التيار الإسلامي. بيرك يسخر منه ويقول إنه يجهل أحوال بلاده. بعد أقل من سنة يسقط النظام الإيراني، ويصبح بني صدر أول رئيس لأول جمهورية إسلامية في العصر الحديث. هو كتاب جميل جداً لا بد أن أقرأه مرة ثانية. أنتقل إلى كتاب مهم وصعب، هو «فلنجرّب هذا الرجل» من تأليف الدكتور محمد معتوق، ويضم مجموعة دراسات وأبحاث في فكر أنطون سعاده. عرفت محمد معتوق صديقاً وزميلاً وأكاديمياً، وكتابه على حافة الفلسفة، وهو يشرح فكر «الزعيم»، ويرد على الذين تمردوا عليه أو طردهم من الحزب، وحجته قوية دائماً. الكتاب للأكاديمي والباحث المهتم، وربما عضو الحزب الذي يريد أن يعرف حقيقة ما طرأ عليه من تغيير. ومحمد معتوق، رحمه الله، يسجل كيف كان الحزب يمينياً ضد الشيوعية في الخمسينات، وأصبح بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 1961-1962 والسجن ثم الحرية قرب نهاية العقد، حزباً يسارياً. أجريت مقابلة مع الدكتور عبدالله سعاده، رئيس الحزب في حينه، فور خروجه من السجن، وحضرت بعد أيام مؤتمراً صحافياً له في فندق «بوريفاج» افتتحه بالقول: نبدأ باليمين، لأن اليمين أقدم، وننتهي باليسار لأن المستقبل لليسار. كان سؤالي: يا دكتور، كان حزبكم اسمه الحزب القومي السوري، وأصبح الحزب القومي الاجتماعي، كان لقب مؤسسه «الزعيم» والآن «القائد المؤسس»، كنتم على اليمين والآن على اليسار. هل تعتقد أنه إذا عاد أنطون سعاده إلى الحياة يعرف أن هذا الحزب حزبه؟ الدكتور عبدالله ردَّ أن المؤسس قال للأعضاء أثق بكم ثقة عمياء، وحثَّهم على استعمال عقولهم. وأختتم بكتاب جميل كمؤلفته، هو مجموعة شعرية عنوانها «امرأة لكل العصور» للشاعرة سيليا حمادة، التي ساهمت في «الحياة» يوماً. كنت حصلت على الكتاب في بيروت، وعندما عدت وجدت نسخة منه بانتظاري مع إهداء من الشاعرة سيليا. كل قارئ يحب الشعر والحياة سيحب كتابها، وأختار منه أول قصيدة، ومنها عنوان الكتاب: امرأة كل العصور أنا / لا تتوهم أنك تحيا دون / دفء نجوم حبي وإعصار ثوراتي وجنوني / وأنك تملك القرار. [email protected]