كتبت عن كريستوفر هيتشنز أمس، مشيراً الى إلحاده وعدائه السافر للأديان، خصوصاً اليهودية، وأجد أنني لا أستطيع في عجالة صحافية ان أنصفه فهو أذكى وأكثر ثقافة من أن يكون ذا بعد واحد، وعداؤه للنازية والفاشستية لم يمنعه من أن يؤيد حق الكاتب الفرنسي روبير فوريسون في إبداء رأيه في إنكار المحرقة، كما انه دافع عن المفكر نوعام تشومسكي عندما هوجم لأنه بدوره انتصر لحق المؤرخ البريطاني ديفيد ارفنغ في نشر أفكاره رغم انه ينكر المحرقة. اليوم أكتفي من هيتشنز بزيارة لبيروت في شباط (فبراير) 2009 بدعوة من جماعة 14 آذار للمشاركة في ذكرى رحيل الرئيس رفيق الحريري، انتهت بأن ضُرِب ورُكِل ولُكِم بعد ان حاول طمس شعار الحزب القومي الاجتماعي (السوري) اي الزوبعة التي أُقيمت في شارع الحمراء ببيروت حيث أقدم أحد أعضاء الحزب خالد علوان على قتل ضابطين إسرائيليين في صيف 1982. هو كان برفقة الصحافي البريطاني مايكل توتين الذي يملك خبرة واسعة في الشرق الأوسط، وله مدونة نالت جوائز، وينشر مقالاته في صحف عالمية، وأيضاً الصحافي البريطاني الأميركي (مثل هيتشنز) جوناثان فورمان، وهو ايضاً الى يمين الوسط ويكتب في مجلة «ستاند بوينت»، وتنشر مقالاته في بعض أبرز الصحف على جانبي المحيط الأطلسي. توتين وفورمان كتبا عن الحادث في شكل وافٍ، كما اهتمت به صحف العالم مثل ال «غارديان» اللندنية و «هفنغتون بوست» الإلكترونية، فقد اعترض شباب من الحزب القومي هيتشنز بعد ان لطخ اللافتة، وهو وزميلاه استطاعوا الفرار في تاكسي في النهاية، ولكن بعد ان ضُرب هيتشنز وجُرح، وتدخل الناس لإنقاذ الفرسان الثلاثة. وكنتُ قرأت له في ال «اوبزرفر» مقابلة طويلة أشار فيها الى زيارة بيروت قبل سنتين ونصف السنة وحضوره مهرجاناً لحزب الله وزعمه ان شعار الحزب غمامة فِطْر (اي قنبلة نووية) وهو ما لم يره أحد غيره. لا أدري ما إذا كان هيتشنز يقدّر ما يفعل وهو يلطخ الزوبعة، وقد قرأتُ له قوله إنه لا يستطيع ان يتغاضى عن شعار نازي، لذلك فهو فعل ما فعل متوقعاً المشكلة التالية، إلا أنه قال ان المهاجمين لم يكونوا ملثمين أو مسلحين، وقدّر ان أكثر ما سيصيبه الضرب، أو «قتْلة» بالعامية اللبنانية و «علقة» بالمصرية. توتين وفورمان كتبا وصفاً حياً للحادث، وزادا معلومات كثيرة عن الحزب القومي واغتيال الرئيس الحريري، وما تُفَرِّق السياسة في لبنان، وعندي إضافات على ما قرأت لهما. ما أذكر هو ان كانت هناك هجرة من اليمين بعد حرب 1967، وحركة القوميين العرب التي أطلقت شباب الثأر وشباب العودة، اي ذلك البدوي الذي يريد ان يثأر، انتهت بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انشقت عنها الجبهة الديموقراطية، والمؤسس جورج حبش يريد التحول تدريجاً الى اليسار، أما نايف حواتمة فيريد حرق كل شيء وبناء حزب يساري جديد. الحزب القومي السوري شهد تغييراً مماثلاً، وأكتب عما شهدت بنفسي، فقبل المحاولة الانقلابية قرب نهاية 1961 كان الحزب يمينياً ولا جدال، جذوره تعود الى الثلاثينات، وشعاره الزوبعة التي اعتبرها كريستوفر هيتشنز صليباً معقوفاً، وكنت أعرف من زعماء الحزب أسد الأشقر وعبدالله سعادة، وقد زرتُ بيت الأول في ديك المحدي بعد ان سمعنا عن الاعتداء عليه وعلى أسرته، ولم أرَ سوى باب البيت محطماً، كما ان سور حديقة البيت والحديد فيه على شكل زوبعة الحزب تعرّض لتخريب في بعض أجزائه. أما الدكتور عبدالله سعادة، رئيس الحزب، فقد أجريت له مقابلة خاصة لوكالة «رويترز» (وكنت رئيس نوبة فيها) بعد الإفراج عن زعماء الحزب، ثم حضرت مؤتمراً صحافياً عقده في فندق «بوريفاج» ربما كان أفضل دليل على التغيير الذي تعرّض له الحزب. الصحافيون جلسوا أمام الدكتور عبدالله ومساعديه الى طاولة على شكل حدوة حصان، ووُزِّع علينا كتيّب صغير عن الحزب ومؤسسه وسياسته المستقبلية. وبعد مقدمة من رئيس الحزب جاء دور الأسئلة وسمعته يقول: نبدأ باليمين لأن اليمين أقدم، وننتهي باليسار لأن المستقبل لليسار. وجاء دوري أخيراً لتوجيه سؤال فقلت: يا دكتور، كنت أعرف حزبكم باسم الحزب القومي السوري، ووجدته في هذا الكتيّب باسم الحزب القومي الاجتماعي، وكان أنطون سعادة لقبه الزعيم، وهو الآن القائد المؤسس، وكان حزبكم يمينياً وهو الآن يساري. هل تعتقد أن إذا عاد أنطون سعادة الى الحياة، يعرف ان هذا الحزب حزبه. وهو رد عليّ بصبر، ولكن من دون ان يقنعني، فأنا لم أنتمِ الى أي حزب في حياتي، وإنما جلست على ذلك الجدار الخرافي أراقب الجميع، لذلك أشعر بأنني أستطيع ان أكون محايداً ومنصفاً. وكلمة أخيرة عن الحزب القومي، ومايكل توتين يتحدث عن غالبية من المسيحيين فيه، ومن الأرثوذكس تحديداً، وربما كان هذا صحيحاً حتى السبعينات، إلا أنه ليس صحيحاً اليوم، ورئيس الحزب الحالي هو أسعد حردان وقبله علي قانصو، وأعضاؤه أصبحوا يتجاوزون الأرثوذكس الى الطوائف الأخرى، خصوصاً الشيعة. [email protected]