الحلاق الجار العجوز مغرم كعادته بالإحصاءات.. وهو ينتهز فرصة مرور صديقه الصحافي الشاب قرب دكانه بين الحين والآخر، ليبلغه آخر اهتماماته في هذا المجال. من هنا كان الصحافي يتوقع عند ذلك الصباح إذ مرّ بالحلاق، ان لديه شيئاً يريد ان يطلعه عليه. وهو من التمتمات التي بدت ترتسم وحدها على شفتي الحلاق، توقّع ان يكون الحديث حديث أرقام هذه المرة. ولما كانت الأرقام تعني بالنسبة اليه إحصاءات، كان من المتوقع ان في الجعبة إحصاءاً جديداً. ولم يخطيء حدس الجار الشاب، إذ انه ما إن القى على جاره تحية الصباح حتى بادره هذا الأخير قائلا: صباح النور والأرقام... ثم انفجر في تلك الضحكة الساخرة التي اعتاد تحميلها غير معنى في الوقت نفسه. فسأله الصحافي متبسطاً: هات يا صديقي.. ماذا لديك اليوم؟ «ما لدي بسيط لكنه مهم في الوقت نفسه.. ما لديّ إحصاء بسيط أجريته طوال الأسبوع الفائت» قال الحلاق مستطرداً دون ان ينتظر من الصحافي تعليقاً، « في نحو عشرين محطة عربية وتبث نحو العالم العربي بلغته، رصدت هذا الأسبوع حضوراً لأكثر من مئة ضيف قُدموا بوصفهم خبراء ومحللين، وهذا فقط في مجالات السياسة والإستراتيجية والمسائل العسكرية... لقد استضيفوا في عشرات البرامج ونشرات الأخبار وتحدثوا في كل شيء وأسهبوا وحللوا وتوقعوا وصححوا وعلقوا واعترضوا ووافقوا... أما أنا الذي راقبتهم جيداً وتابعتهم بدقة وتمحصت في ما قالوه، فأعترف امامك يا صديقي بأنني لم أفهم مما قالوه شيئاً. ما من واحد منهم تمكن من ان يفسر خبراً او يأتي بجديد او حتى يقدم جملتين مترابطتين او معلومتين منطقيتين ، لذلك رحت اكتفي بمراقبة أزيائهم، ولا سيما ستراتهم وربطات عنقهم، كما افعل عادة في كل مرة يشتد فيها ضجري. وهنا، وهذا اعتراف آخر، وجدت جديداً: ما من واحد منهم ارتدى السترة نفسها او ياقة العنق ذاتها في ظهورين له... وربما تكون هذه نقطة لصالحهم!!» ابتسم الصحافي مثنياً على جهد صاحبه وهو يقول له: ... ولكن يا صدبقي هل كنت حقاً تتوقع منهم جديداً غير ثيابهم وألوانها؟ «بكل صراحة... أبداً، ومع هذا كنت قد قلت لنفسي مع شيء من أمل كاذب، لعل شيئاً مما تسمّونه الربيع العربي مرّ من هنا وخلق كلاماً جديداً..» . فماذا اكتشفت؟ سأل الصحافي، فأجابه الحلاق مدمدماً: « اكتشفت مرة أخرى بل للمرة الألف، ان وجود هؤلاء السادة وأفكارهم وتحليلاتهم، تفسّر جميعها كوننا لا نخلص من مأزق عربي او كارثة قومية إلا وندخل في أخرى... وأن المستفيد الوحيد من هذا هم باعة السترات وياقات العنق!».