المرور : استخدام "الجوال" يتصدّر مسببات الحوادث المرورية في الجوف    رئيس وأعضاء لجنة أهالي البكيرية يشكرون أمير القصيم على رعايته "يوم الوفاء السابع"    وصول الطائرة الإغاثية السعودية السادسة إلى مطار دمشق الدولي    فتح باب التطوع للراغبين في إغاثة الأشقاء بسوريا    القيادة تهنئ ملك البحرين بمناسبة فوز منتخب بلاده ببطولة كأس الخليج لكرة القدم    مهرجان الحمضيات التاسع يسجّل رقمًا قياسياً بحضور أكثر من 70 ألف زائر    «الإحصاء»: انخفاض استهلاك المياه الجوفية غير المتجددة بمقدار 7% في عام 2023    قوات الاحتلال الإسرائيلي تعتقل شابين وتداهم منازل في الخليل    بقايا طريق أحد القنفذة يهدد الأرواح.. وجهات تتقاذف المسؤولية    بعد إغلاق «الهدا».. متى يتحرك طريق السيل ؟    مستشفى الشرائع في انتظار التشغيل.. المبنى جاهز    7 أسباب تجعل الآيفون أكثر عرضة للهجمات الإلكترونية    هل تصبح خطوط موضة أزياء المرأة تقنية ؟    5 تصرفات يومية قد تتلف قلبك    إسطبل أبناء الملك عبدالله يتزعم الأبطال بثلاث كؤوس    فاتح ينطلق مع الشباب بمواجهتي الفيحاء والأهلي    «عون الحرم».. 46 ألف مستفيد من ذوي الإعاقة    أرض العُلا    البحرين بطلاً لكأس «خليجي 26»    وفاة والدة الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود    في الجولة 15 من دوري" يلو".. العربي في مواجهة الصفا.. والباطن في ضيافة العدالة    زيارة وفد الإدارة الجديدة للرياض.. تقدير مكانة المملكة ودعمها لاستقرار سوريا وتطلعات شعبها    استشاري ل«عكاظ»: 5 نقاط مهمة في كلاسيكو كأس الملك    30 % نمو الميزان التجاري في أكتوبر 2024م    ما مصير قوة الدولار في 2025 ؟    «تليغرام» يتيح التحقق من الحسابات بتحديث جديد    الداخلية أكدت العقوبات المشددة.. ضبط 19541 مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود    جمعية «صواب» بجازان تسيّر أولى رحلات العمرة ل«40» متعافياً من الإدمان    4,494 حقيبة إيوائية لقطاع غزة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية الخامسة إلى مطار دمشق الدولي    المهرجانات الشتوية.. إقبال متزايد على الفعاليات المتنوعة    الصندوق الثقافي يعزز قدرات رواد الأعمال في قطاع الأزياء    رضيع بدوام يجني 108 آلاف دولار في 6 شهور    انطلاق ملتقى دعاة «الشؤون الإسلامية» في نيجيريا    الكذب على النفس    القيادة تعزي الرئيس الأمريكي في ضحايا الحادث الإرهابي الذي وقع في مدينة نيو أورليانز    «911» تلقى 2,606,195 اتصالاً في 12 شهراً    مخلفات العنب تعزز علاجات السرطان    طريقة عمل كباب اضنة    الفاشية.. إرهاب سياسي كبير !    الحِرَف اليدويّة بين أيدي المُترجمين    البرد لم يمنع نانسي ورامي من رومانسية البوب    ظلموه.. فمن ينصفه؟    حركية المجتمع بحركية القرار    الإنسان الواقعي في العالم الافتراضي    ثقافة الاندماجات والاستحواذات في القطاع الصحي..!    المرأة السعودية من التعليم إلى التمكين    ماريسكا: على تشيلسي أن يكون أكثر حسما    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    القيادة التربوية نحو التمكين    مشكلات بعض القضاة ما زالت حاضرة    سوق عمل نموذجي    الفن والابتكار في عالم الديكور والمفروشات    كيف تُخمد الشائعات؟    2.6 مليون اتصال للطوارئ الموحد    رصد حالات تعشيش لطائر «الرخمة» المهدد بالانقراض بمحمية الملك سلمان الملكية    فرص تطوعية للعناية بالمساجد والجوامع والمصليات النسائية تطلقها إدارة مساجد فيفا    الكلية الأمنية تنظّم مشروع «السير الطويل» بمعهد التدريب النسائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



... ومدّد المجلس لنفسه: مواقف زئبقية وتحركات حربائية!
نشر في الحياة يوم 01 - 06 - 2013

ازدحام شديد من الأحداث والتطورات المتسارعة على الصعيد الداخلي اللبناني سنحاول ان نعرض لها عبر هذا المقال.
والذي حدث هو الآتي:
اولاً: ان الثقة الكبيرة التى محضها النواب على اختلاف توجهاتهم لتكليف الرئيس تمام سلام توقفت عند باب التكليف ولم تتجاوز عتبه التأليف، وهذا ما يفسر عدم صدور التشكيلة الوزارية حتى الآن، والسبب: إصرار التكتلات النيابية على تمسكها بالحصص الوزارية سواء من حيث العدد او الحقائب. وقد سعى الرئيس المكلف وما زال للتوفيق بين مطالب الكتل والتجمعات النيابية وبين التصور الخاص الذي يحمله والذي يدعو في جملة ما يدعو الى الإتيان بفريق عمل وزاري متجانس يستطيع ان يواجه المسؤوليات في الآتي من الاسابيع والشهور. وانعكس انشغال مختلف الاوساط بالتوصل الى قانون انتخابي متوازن يعمل على تصويب تمثيل مختلف الطوائف عاملاً اضافياً من التأخير في عملية انتاج الحكومة الجديدة.
ثانياً: نكتب هذه السطور والخيارات انحصرت بين واحد من واحد وهو التمديد للمجلس، على رغم مهاجمة كثيرين التمديد للمجلس النيابي الحالي لفترة زمنية تصل الى خمسة عشر شهراً. وحيال فشل المجلس في الاتفاق على قانون جديد للانتخابات رجحت كفة التمديد على رغم مساوئه وسلبياته. ان الإقدام على هذا التمديد على رغم انه يؤمّن مصالح معظم التكتلات النيابية، فهو كعملية الهروب الى... الوراء تفادياً للمواجهة بين قانون عصري يصوّب عملية تمثيل الطوائف اللبنانية، وإبقاء القديم على قدمه.
ومع ان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اعلنها صراحة انه لن يوافق على التمديد، وسيطعن بالقانون امام المجلس الدستوري، فإن ما كتب قد كتب، وسيبقى الاعتراض على قانون التمديد نظرياً ستجتاحه التطورات الكبرى التي تنتظر لبنان من وحي ما يجري في المنطقه، وبخاصة لدى الجار الأقرب سورية.
ومن غرائب السياسة في لبنان ان ما يطلق عليه «المعجزة اللبنانية»، يعمل ويتقدم حتى في الاوقات العصيبة التي تواجه الوطن. وكعادة السياسيين في لبنان، ازدهر موسم التناقضات والمواقف الثنائية والمزدوجة، وامتزج الذكاء بالتذاكي حيث يتقن بعض «الزعماء» عملية تضليل ممنهجة من حيث ان ما يجري داخل الجدران المغلقة ليس ما يعلن عنه.
وبقطع النظر عن الاسباب والدوافع التى ادت الى ما ادت اليه وبخاصة لجهة تمديد فترة المجلس، فالأمر المؤكد يتمثل في تعذر إجراء الانتخابات النيابية في 14 حزيران (يونيو)، خصوصاً في ظل الأجواء الامنية الضاغطة في اكثر من اتجاه ومنطقة، وهذا ما يثير القلق لدى جميع اللبنانيين. وحول هذا الوضع الضاغط بعض الكلام الذي يجب ان يقال. مرة جديدة تتأكد مقولة: اذا اردت ان تعلم ما الذي يجري وسيجري في لبنان يجب ان تتابع ما يجري في القصير او بابا عمرو او جسر الشغور، وهذا ما اكدته تطورات الاشهر الاخيرة وبخاصة منذ اندلاع الشرارة في سورية.
ذات يوم، وصف الأستاذ غسان تويني رحمه الله الحرب الاهلية في لبنان، منذ بدايتها في منتصف السبعينات من القرن الماضي، بأنها حرب الآخرين على ارض لبنان، واذا كان صحيحاً هذا القول، وهو كذلك، فإن ما يجري حالياً يمكن اختزاله بالقول: انها الحرب بين اللبنانيين على اراضي الخارج السوري حيث لم يعد خافياً على احد انخراط عناصر من «حزب الله» في شكل مباشر في المنازلات التي تشهدها منطقة القصير من مواجهات قاسية ومدمرة بين الجيش النظامي السوري وعناصر «الجيش السوري الحر» وأعداد من المقاتلين من جنسيات مختلفة تقاتل الى جانبه. وكان واضحاً قول الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير انه لم يكن بإمكان المقاومة ان تقف مكتوفة حيال ما يجري في سورية وبخاصة على محور القصير، معتبراً ان الحزب انما هو في موقع الدفاع عن النفس يواجه الهجمة الآتية اليه. وأدى هذا الوضع الى إشكال كبير وقضية خلافية عميقة بين اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم، الامر الذي أمعن في حال التأجيج القائمة حالياً والتي تنذر بأوخم العواقب.
على ان الجانب الذي يزيد من مأسوية المشهد في هذه الآونة بالذات، ما تعرض له الجيش اللبناني من اعتداءات ادت الى استشهاد عدد من العسكريينن آخرها في خراج بلدة عرسال، على رغم ان الدورية التي استُهدفت لم تكن لها اي علاقة، لا من قريب ولا من بعيد في القتال الدائر.
على ان الخطورة تكمن في التحدي الذي يواجه المؤسسة العسكرية، حيث جاء الحادث الاخير بعد ساعات قليلة على خطاب قائد الجيش العماد جان قهوجي، والذي ألقاه خلال زيارة الرئيس العماد ميشال سليمان لوزارة الدفاع، وفيه قال القائد: «ان الجيش تعرض للكثير من الاستهدافات والتعديات... وأننا لن نسكت بعد اليوم». وهنا السؤال: كيف سيرد الجيش اللبناني على مرتكبي افظع الجرائم بحق أفراده من ضباط وجنود وسط جو الارتباك والاحتقان السائد في البلاد؟
ولا بد في هذا المجال من ان نتعرض للخطاب الذي ألقاه الرئيس ميشال سليمان في وزارة الدفاع أمام قائد الجيش وكبار ضباط القيادة. فبعد ان ابلغ الضباط انهم حاصلون على التغطية الشاملة منه كقائد اعلى للجيش، وكرئيس للبلاد، تعرض للوضع القائم وبخاصة ما يتصل بالدخول المباشر لقوات «حزب الله» في معارك الداخل السوري، فقال: «لقد حررنا الارض إلا أننا لم نحرر الانسان، فالتبعية لا تزال موجودة والمذهبية تتعمم إلا في الجيش الذي لا اخاف عليه من اي كلام عن المذهبية».
وتابع في كلام مباشر ل «حزب الله» من دون التسمية الواضحة: «ان معاني المقاومة اغلى وأسمى من كل المعاني ومن أن تغرق في رمال الفتنة إن في سورية او في لبنان ولدى شقيق او صديق».
وفي سياق الدولة غير الموجودة، وجد السيد حسن نصر الله في ذكرى التحرير والمقاومة مناسبةً لتأكيد عدم وجود «الدولة القادرة والعادلة»، والتي سبق له ان دعا اليها مراراً في السابق وكأن السيد نصر الله اراد ان يقول ان المقاومة هي التي تقوم بدور الدولة، وأن المقاومة يتضاءل دورها في حال قيام الدولة القوية.
وبعد...
اولاً: ان الظروف العامة القابضة والمهيمنه على لبنان لا تدع مجالاً للاسترخاء وعدم استشعار خطورة الحاضر والمستقبل في الآتي من الشهور.
ثانياً: ان ما يجتازه الوطن الصغير اكثر وأقصى حالات التحدي مع الكثير من الظروف المحلية والاقليمة والدولية، وأن اي قراءة خاطئه لما يشهده من الداخل اللبناني او على تخوم حدود التماس مع سورية هي الاخطار بعينها، وأن حالة التشرذم الداخلي في الجانبين الافقي والعمودي تضع وحدة الوطن وعيشه المشترك في اصعب المواقف وأكثرها حراجة. ومن هذا المنطلق، فإذا كانت الخلافات السياسية مقبولة في الظروف العامة، فهذا ما يمكن تقبله، لكن حال الاحتقان بلغت مرحلة متقدمة جداً، وبات الورم الوطني في وضع لا يسمح لأي فريق التصرف بمفرده وبمعزل عن الشراكة في الوطن.
ثالثاً: ان درجة التخاطب السياسي والإعلامي تثير الهلع في كل ما بلغته حال التعاطي بين من يُفترض ان يكونوا شركاء في الوطن. انها لغة يندى لها الجبين.
على ان الجانب الاخطر في كل ما نشهده هذه الايام يتمثل في المقاربة الآتية:
في الوطن الكثير من التيارات على اختلاف الأجواء والمشارب، لكن التيار الواحد والمطلوب، بعد تيار الكهرباء، هو تيار وقف انعدام الثقة بين مختلف الفرقاء، وغياب هذا العامل المهم يساهم في إذكاء الفتن و «رعايتها» على انواعها.
وصحيح القول: لعن الله الفتنة ومن ايقظها، لكن كيف نواجه النافخين في ابواق هذه الفتن من الذين يؤمّنون «عيش رزقهم»! على هذا النوع من المخططات التدميرية والدنيئة، وهي من اكثر اسلحة الدمار الشامل فتكاً وتفتيتاً.
ومع سعي الرئيس المكلف تمام سلام الدؤوب لاختيار فريق متآلف وغير متقاتل على مقاعد مجلس الوزراء ، فأمامه زاد فكري ووطني ومعين لا ينضب، وهو ما تمثل بالرئيس صائب سلام رحمه الله من الشعارات التى اطلقها من «لا غالب ولا مغلوب» الى «لبنان واحد لا لبنانان» الى «التفهم والتفاهم»، والتي اصبحت ايقونات يتمنى كل مخلص ان يستلهم مدلولاتها من ايمان راسخ بأن لبنان يستحق معاملة افضل من التي يخضع لها منذ سنوات، طالت كثيراً واستطالت ومعها رواسب الأحقاد والكراهية التي تعمل على تكريس السواتر والحواجز، لا بل الجبال، بين أبناء لبنان الوطن الواحد، والذي نريده وطناً واحداً موحداً بالفعل لا بالقول او بالشعارات الجوفاء.
وقى الله لبنان كي يكون نصيراً قوياً لنفسة اولاً وللعرب، وليس ضعيفاً او عالة على اهله وعلى الشركاء في الوطن والمهاجر.
إن هذا الكلام ليس طوباوياً، بل صرخة مواطن يشعر بمخاطر جدية آتية على الوطن. وفي المحصلة الاخيرة بعض الكلام:
ان التمديد لمجلس النواب في لبنان يعني عملياً التمديد للأزمات التي تواجه الوطن، والمضي في سياسة الهروب من المسؤوليات. وفور رسو القرار على التمديد وبروز هذا العدد الكبير من المؤيدين للفكرة، بدأ توجيه الاتهامات بين مختلف الكتل لأنها غيّرت وبدلت في مواقفها بين لحظة وأخرى.
هذا هو لبنان حيث سادت المواقف الزئبقية، والبعض يصف ما حدث بالتلون الحربائي. كما ان الكلام الكثير قد اطلق حول تلاقي الانتهازية السياسية مع تبدل سريع في الموقف ليتأكد وجود خيط رفيع يفصل بين «الوصولية» و «الشطارة».
في كل حال، مبروك للفائزين بمعركة منح الثقة بالتمديد لأنفسهم، وعلى الشعب اللبناني ان يتدبر امره بعد ذلك. ثم ان المجلس الممدد له اصبح الآن في حكم من سينتخب رئيس الجمهورية الجديد بعد حوالى سنة وبضعة شهور من الآن.
أعانك الله يا لبنان على ممثليك الذين فرضوا انفسهم عليك من دون حسابات لأصوات الناخبين العاديين.
وتعيش الديموقراطية على الطريقة اللبنانية! ولكن... قبل هذا وبعده: عيب!
* إعلامي لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.