حتى سنوات قليلة، كان هذا الأمر يحدث مع مقدار كبير من الخجل وبشيء لافت من التكتم: كانت هناك دائماً في المهرجانات السينمائية الكبيرة، أفلام مصنوعة للتلفزيون أصلاً، لكن أصحابها يريدون عرضها سينمائياً، فيكون لهم ذلك. هنا إن مرّ العرض بصفته منتمياً الى الفن السابع، كان به، وإن لفت الأمر الأنظار طلعت الذرائع والمبررات. اليوم، وعلى الأقل منذ «كارلوس» اوليفييه السايس قبل اعوام قليلة، لم يعد الأمر في حاجة الى تبرير. صارت الأفلام التلفزيونية جزءاً من «اللعبة السينمائية»، ولا سيما بعد ان دخل اصحاب اسماء كبيرة في عالم السينما، الإنتاج التلفزيوني من دون لفّ او دوران، فوجدنا في العامين الأخيرين تواقيع سكورسيزي وغاس فان سانت وغيرهما على أعمال للشاشات الصغيرة. ولم تعد تتساءل باستنكار حول «شرعية» هذا، سوى حفنة من «الرومانسيين». وفي الدورة الجديدة لمهرجان «كان»، تلك المنعقدة هذه الأيام، تخطو الأمور خطوات متسارعة الى الأمام... ففي المسابقة الرسمية، على سبيل المثال، ها هو أحد «مجانين» السينما وصنّاعها الأشهر في هوليوود، ستيفن سودربرغ يباري ل «السعفة الذهبية» بعمل تلفزيوني خالص هو سيرة سينمائية للمغني «ليبراس» من بطولة مايكل دوغلاس ومات ديمون. وها هي القناة، منتجة الفيلم «إتش بي أو»، تعلن انها لن تجد غضاضة إن عرض على شاشاتها الصغيرة قبل الصالات. وفي الوقت نفسه، ها هي المخرجة الأسترالية جين كامبيون، صاحبة الجوائز السينمائية الكبرى ومن بينها «السعفة الذهبية»، تأتي لتُكرّم في «كان» وفي جعبتها مقاطع من حلقات مسلسل تلفزيوني حققته في نيوزيلندا لحساب «بي بي سي». كامبيون تعرض المقاطع في «عيد السينما» من دون ان تشعر بأية عقد ذنب، كما تقول، لأن الوسيلتين، السينما والتلفزيون، «باتتا شيئاً واحداً». شيئاً واحداً؟ بل، في يقيننا أكثر من هذا كثيراً: تتحول السينما في أيامنا هذه لتصبح أكثر وأكثر، أخت التلفزيون الصغرى، بعدما كانت لعقود أمه وأخته وحاضنته الكبرى والشاكية من جحوده. ومن لا يصدق هذا، عليه ان يقوم بالتجربة التي اعتاد كاتب هذه السطور القيام بها: منذ سنوات، يرصد، كلما زار باريس، مساحة الأجنحة المخصصة لبيع الأفلام السينمائية مقارنة مع تلك المخصصة لبيع اسطوانات المسلسلات والبرامج التلفزيونية في المتجر الرئيس «الفناك». وهو يعتبر حجم المساحة «بارومتر» حقيقياً. قبل سنتين، بدأ يرصد نوعاً من التساوي بين المخصّص لأعمال الشاشة الكبيرة والمخصّص لأعمال تلك الصغيرة. اما هذا العام، فالتساوي لم يعد قائماً، الرفوف والزوايا التي تباع وتعرض فيها اعمال السينما، جديدة كانت او كلاسيكية، تكاد تختفي تحت ثقل عشرات ألوف الأسطوانات الأخرى التي تحمل كل ما هب ودبّ من تلفزيونيات. هل هو موت السينما؟ ليس تماماً، لكنه زمن ثورة انتقالي تصعب علينا معرفة الى اين يسير... او هكذا نحب ان نفترض لنبقي بعض الأمل على الأقل!