حين زارت الزميلة فيكي حبيب، مسؤولة هذه الصفحة في «الحياة»، لوس أنجيليس في بدايات العام المنتهي، بدعوة مزدوجة من شبكة «ام بي سي» العربية واستوديوات «وارنر براذرز» الأميركية، عادت من هناك وفي جعبتها بعض الأسئلة القلقة حول مستقبل السينما، ذلك أن أهم ما لاحظته في عاصمة السينما الأميركية، هوليوود، كان ان الفن السابع بدا لها جزءاً من تاريخ مجيد (عبر تحوّل الاستوديوات الى متاحف، ومشهد عجائز يجرّون كلابهم في بيفرلي هيلز إن حدقت بهم ستكتشف انهم بقية ما تبقى من نجوم السينما في أزمانها الغابرة)، فيما بدا لها النشاط التلفزيوني مفعماً بالحياة والحيوية، مزدحماً بالشباب والمشاريع. الأسئلة القلقة لدى الزميلة كان ملخصها واحداً: هل صارت السينما جزءاً من التاريخ لا أكثر؟ خلال العام كله كان الحدث الأساس في عالمي السينما والتلفزيون هو الإجابة التي تكاد الآن أن تبدو قاطعة حاسمة على هذا السؤال. صحيح انه كان ثمة دائماً أجوبة ونشاطات فعلية تقول ما يحدث بكل وضوح. غير ان الأسئلة كانت تتجدد دائماً والسجالات تشتعل. ثم في الربيع من هذا العام كان هناك «كارلوس»، وتأرجحه بين السينما والتلفزيون. أهمية «كارلوس» لمخرجه اوليفييه السايس كمنت أساساً في القسمة العادلة بين بُعده السينمائي وبعده التلفزيوني. كان يبدو بالأحرى وكأنه في مشاركته في مهرجان «كان» يبرر تلفزيونيته سينمائياً. أما في بقائه خارج مسابقتها، فبدا وكأنه لا تزال تخجله تلك التلفزيونية. النقاد يومها – بمن فيهم السينمائيون- كانوا أكثر وضوحاً: حيّوا ما فيه من ربط بين الوسيطين، الشاشة الكبيرة وأختها الصغيرة. وبعد «كارلوس» بأسابيع، كان لا بد من أن يبرز أخيراً الجواب الأكثر حسماً: مع مسلسلات شبكة «اتش بي او» التي راحت تحمل تواقيع سكورسيزي وسبيلبرغ وسودربرغ وغاس فان سانت.. وغيرهم عشرات من كبار أهل السينما ومن غلاة المدافعين عنها، تبدّلت الصورة جذرياً. ولكن ليس في الاتجاه الذي كان طوال عقود أثار مخاوف كثر وأرعبهم أن يُسفر ذلك كله عن «موت السينما». بل في اتجاه معاكس تماماً، اذ في الصراع الذي دائماً ما جرى الحديث عنه، لم تكن النتيجة ان التلفزيون هو الذي خرج منتصراً كما يبدو في سطح الأمور، بل السينما و... بالتعادل إذا شئتم. ذلك أن الواقع كما بات في الإمكان رصده اليوم، لا يقول لنا إن التلفزيون يرفع رايات النصر وقد استقطب أساطين السينما، بل يقول لنا إن الشاشة الصغيرة باتت تقدم نفسها مجرد وسيط منتشر وكلّي الحضور لإيصال إبداع السينمائيين الحقيقي الى كل بيت ومكان. في الحقيقة كانت الشاشة الصغيرة تفعل هذا بالنسبة الى ذاكرة السينما وها هي تفعله الآن لحاضرها ومستقبلها من دون أي غموض. أوليس من حقنا ان نعتبر اليوم ولادة «السينيفيزيون» الحدث الأكبر بالنسبة الى الشاشتين خلال عام؟