لم يكتفِ مهرجان «كان» بالسجال الدائر حول عرض مسلسل تلفزيوني («كارلوس» للمخرج اوليفيه اسايس) في اروقته. ولا باختيار أفلام مخرجين محسوبين على الشاشة الصغيرة. ولا بمكافأة أفلام من إنتاج التلفزيون كما حدث مثلاً حين منح «السعفة الذهبية» للأخوين تافياني عن فيلم «بادري بادروني» في دورة سابقة... لم يكتفِ المهرجان السينمائي الأعرق في العالم بهذا كله لإعلان وقف حرب الشاشة الصغيرة واختها الكبيرة، بل عاد وأشعل النقاش، الذي لم يُطفأ أصلاً خلال هذه الدورة، بذهاب جائزة النقاد ليل اول من امس الى فيلم وثائقي («أرماديو») للمرة الاولى منذ 20 سنةً... وكأن في هذه الجائزة التي منحت لفيلم لن يصل الى الجمهور العريض الا عبر التلفزيون - وان حقق بأدوات سينمائية - ردّاً على السؤال الذي طرحته جريدة «لوموند» الصادرة في اليوم ذاته، عما اذا كانت الحواجز بين الأعمال التلفزيونية والأفلام السينمائية ستختفي؟ صحيح انه لا يمكن اعتبار أنّ الامر تحقق. فأنصار الشاشة الكبيرة لن يعجبهم الأمر... والدليل رفض رئيس مهرجان «كان» جيل جاكوب عرض سلسلة «كارلوس» في المسابقة لأن «هذا العمل هو اولاً واخيراً مسلسل تلفزيوني، ما كان من شأنه ان يسجل سابقة قد تزعزع توازن الإنتاج السينمائي الفرنسي»، كما نقلت «لوموند» عن جاكوب. لكنّ الأكيد، أن في هذا الكلام ما يُريح أولئك الذين يخشون على الفن السابع من هجوم التلفزيون، وإن كان عرض الفيلم خارج المسابقة من شأنه ان يبدد اي راحة. ففي هذه الخطوة - وإن كانت ناقصة، كما يراها انصار التلفزيون - خرق لا يمكن الا ان يُفسّر تفسيراً واحداً، يؤكد أن المستقبل هو لتكامل الشاشتين. من هنا فإن رهان أصحاب هذه النظرية الأخيرة يبقى على عامل الوقت، كما تراهن «كنال بلوس» التي وجُهت إليها أصابع الاتهام أكثر من أي طرف آخر في إحداث هذا الخرق. فهذه القناة الفرنسية التي تعتبر اليوم المهيمن الاول على المهرجان لشرائها حقوق البث بمبلغ ضخم، تنفذ منذ انطلاقتها سياسة تنحو الى كسر الحواجز بين الشاشتين. ولا يغيب عن الإعلام الفرنسي مقارنتها بقناة «إتش بي أو» الأميركية المعروفة بمسلسلاتها الضخمة... أو الحديث عن استعانتها بمخرجي السينما في أعمالها التلفزيونية في محاولة لإحداث ثورة في هذا المجال. ولا تنكر «كنال بلوس» هذا الواقع. إنما دأبت منذ بداية هذه الدورة من «كان» على الضغط على ادارة المهرجان لعرض مسلسل «كارلوس» رغم انف المعترضين... كما ساهمت في تأجيج النقاش حول حرب الشاشتين، أملاً بحسم الموضوع. وإذا أضفنا الى هذا كله تفاؤل المدير العام للقناة رودولف بيلمي في هذا المجال بما أن «عصر الإعلام المتعدد الوسائط بدأ»، لا يعود امام انصار السينما الا الترحم على زمن عرف فيه الفن السابع أمجاداً بمعزل عن الشاشة الصغيرة.