الأحد 23/8/2009: عدنان حب الله فاجأني نبأ وفاة عدنان حب الله. كنا تحدثنا هاتفياً قبل ثلاثة أيام. قال إنه أعد مقالة للنشر في «الحياة» ثم أرسلها يوم الجمعة. حاولت الاتصال بأصدقائه الأقربين، وبينهم جورج قرم، فلم يجب أحد، ثم علمت أنهم مسافرون. اتصلت بنسيبه وليد عربيد فأخبرني أن سبب الوفاة هبوط في السكري أثناء السباحة، وقد نقل حب الله من الحمام العسكري في رأس بيروت الى المستشفى فلم يسعفه الطب. محلل نفسي لبناني كانت له عيادتان، واحدة في باريس والأخرى في بيروت، وهو عالج في فترة الحرب الأهلية مرضى ينتمون الى فئتي القتلة والضحايا، وألف عن ذلك كتاباً فريداً، «فيروس العنف»، طبع مرات عدة في أصله الفرنسي وترجمته العربية. ابن مدينة صور وتلميذ لاكان في فرنسا ورفيق مصطفى صفوان آخر أعلام التحليل النفسي في أوروبا. وعدنان حب الله ذو وجه آخر أيضاً: استضاف الإمام موسى الصدر في مرسيليا، وقال لي مرة انه أقنعه بالجلوس الى جانبه في سيارته المكشوفة، فرأى الفرنسيون رجل الدين المهيب في سيارة شبابية مسرعة. كما رافق عدنان حب الله في محادثات لوزان اللبنانية – اللبنانية الرئيس عادل عسيران، ورأى بأم العين المحادثات المركّبة بين زعماء الوطن الواحد على خلفية مرجعياتهم الإقليمية والدولية الكثيرة. لكنه سرعان ما عاد من ضفاف السياسة الى مهنته وهوايته وغوايته: التحليل النفسي، لكن اهتماماته في هذا المجال كانت متعددة بدعوى التأسيس، وأفضل نتاجه هو التحليل النفسي للإنسان في حرب أهلية، ولعل في ذلك فرادته. لم ينس ميزته هذه أبداً، واستمع إليّ باهتمام حين عرضت اقتراحاً بتحليل نفسي للزعماء اللبنانيين، فإذا امتنعوا عن الاستلقاء في الكرسي الطويل للمرضى، يمكن الاستناد الى نشأتهم ونموهم على طريق الزعامة والى هيئتهم وكلامهم حين يصرحون أو يخطبون. يكون التحليل ناقصاً لكنه كائن بمعنى ما، نستطيع اجتراحه. التحليل النفسي مهنة منتشرة في بلادنا العربية، لكنها محصورة في المستشفيات وداخل حجب يريدها المرضى قبل الأطباء. وقيادات بلادنا قبل المواطنين هي من يحتاج الى التحليل النفسي وربما الى بعض الدواء. الاثنين 24/8/2009: كما هي هاتفت الأديب المفكر خليل رامز سركيس واعتذرت عن الوقت المبكر. قال إنه استيقظ استثنائياً ليجري فحص دم وها هو يتابع أخبار لبنان/ اللاأخبار في التلفزيون. قلت إن فحص الدم يتم قبل الإفطار والخبر اللبناني يحدّ من القابلية على الأكل، وفي ذلك فائدة وحيدة لخبر غير مفيد إن لم يكن مضراً. قبل خليل رامز سركيس وبعده آلاف من المثقفين اللبنانيين دفعوا الى ترك وطنهم، وهم يحملون في وجدانهم شيئاً من الإثم ومن الحزن، ولا يعزيهم في ذلك أن لبنان فكرة قبل أن يكون أرضاً، حالة إيمانية قبل كونه تجسيداً في الواقع. ويردد خليل سركيس قولاً له قديماً: إن لم نأخذ الحياة كما هي، أخذتنا كما نحن. الثلثاء 25/8/2009: ديفيد غروسمان مما تردد عن تسويات لتصريحات وزير الثقافة المصري فاروق حسني المرشح للأمانة العامة لليونيسكو عن حرق الكتب الإسرائيلية، أن الوزارة ستترجم الى العربية (من الإنكليزية) روايات لكتّاب إسرائيليين بالعبرية. هذا الخبر الذي تناقلته الصحافة وناقشته الأقلام معارضة ومؤيدة، يغفل جانباً حيوياً ومنفتحاً من الحياة الثقافية المصرية هو قطاعها الخاص، ففي القاهرة دار نشر اسمها «الدار العربية» يملكها الكاتب أمين المهدي، أصدرت ترجمات لروايات كتّاب إسرائيليين من الأصل العبري، من بينها «موتسارت لم يكن يهودياً» لغبرئيلا روثم و «جذور في الهواء» لروث الموج و «الرحيل الى الذات» لديفيد غروسمان. يكتب أمين المهدي عن غروسمان: «الأسباب السياسية لترجمة ونشر غروسمان لا تقل قوة عن الأسباب الإبداعية، فللرجل مواقف سياسية شجاعة من أجل السلام والتعايش والعدل، فقد كان أول المستقبلين لعرفات عند دخوله غزة عام 1994». وحين قتل ابنه في العدوان الإسرائيلي على لبنان وقف محتجاً على سياسات إسرائيل العدوانية لا على مقاومة تدفع العدوان، مجدداً موقفه المناهض للحرب والداعي الى السلام. يقول الناشر إن العنوان الأصلي لرواية غروسمان هو «كتاب القواعد الداخلية» ويمكن ترجمته الى «التوازن الداخلي»، لكنه اقترح على المترجم تغيير العنوان الى «الرحيل الى الذات» فوافق. ومما كتب المترجم أحمد حماد في تقديم الرواية: «تعكس رواية غروسمان هذه توجهاً أدبياً جديداً يمكن أن نسميه «أدب ما بعد الحداثة»، فإذا كان نيتشه بحث عن الإنسان الأعلى «النيتشوي» في محاولة لإعادة تقويم جميع القيم المتعارف عليها، وهو في بحثه هذا أتاح الفرصة لكل القوميات العرقية المتعصبة لتخلق لنفسها إنسانها الأعلى، فقد جاء عالم ما بعد الحداثة ليعمل على هدم هذا الإنسان النيتشوي، في محاولة لخلق إنسان جديد بدلاً منه، إنسان لا يعرف عصبية عرقية ولا انتماء إثنياً، إنسان يعرف ويعي ويدرك أنه إنسان يعمل ضمن منظومة كبرى هي الإنسانية، ولا يمكن أن ينفصل عنها. وبدلاً من إعادة تقويم القيم، حاولت ما بعد الحداثة البحث عن قيم جديدة تعلي فيها من شأن الإنسان كفرد يعمل ضمن منظومة كبرى هي الإنسانية. ولعل رواية «الرحيل الى الذات» تعد نموذجاً مثالياً لعالم ما بعد الحداثة الأدبي من هذا المنظور. فلو أننا أسقطنا عن القصة كل الأسماء العبرية، ووضعنا بدلاً منها أي أسماء أخرى: إنكليزية أو فرنسية أو حتى عربية، لما تغير شيء من الموضوع، ولتمكن القراء من فهم المغزى الذي يرمي إليه المؤلف. فالبطل في هذه القصة هو أنا وأنت وأي شخص آخر، كلنا جميعاً عشنا فترة النمو والنضج العقلي التي عاشها البطل. ومن السهل أن تتوحد مع البطل وأنت تتابع قصته التي جاءت لتكسر كل أنماط القصة التقليدية، وتضعنا أمام ماهية أحداث حياتية أقرب الى الريبورتاج منها الى الرواية النمطية. لذا نرى هذا العمل يهتم بالإنسان كإنسان أينما كان ومتى كان. ولكن، لا يمكن أن نغفل بعداً مهماً في التكوين النفسي لديفيد غروسمان، مؤلف الرواية، فإضافة الى ما سبق، نجد أن هذا العمل يعكس مرحلة من مراحل الاغتراب، التي يمكن أن نطلق عليها بلا تردد، أعلى مراحل الاغتراب الإنساني، فالبطل الذي يقدمه غروسمان، وعلى رغم كونه طفلاً في مراحل النضج الأولى، أو بصورة أخرى، طفلاً في مرحلة تكوين المشاعر الإنسانية الجديدة، المجردة تماماً من أي انتماء عرقي أو إثني، يحاول الانسحاب الى داخل الذات. وليس هذا انسحاباً أو هروباً من العالم المحيط بعد أن عجز عن التأقلم معه، بل هو انسحاب للإنسان الى داخل ذاته بحثاً عن القيمة الإنسانية الحقة، المجردة من أي انتماء فرضته عليها الأيديولوجيا العنصرية أو الاثنية. إنه إنسان في مرحلة التكوين، يبحث عن ذاته في ذاته بعيداً عن ذوات الآخرين، عله يمكن أن يخرج من هذه المرحلة داخل الذات بمفاهيم وأفكار وقيم جديدة تكرس إنسان ما بعد الحداثة. ويمكن القول أيضاً إن الرواية تمثل مرحلة عالية جداً من تلاشي المعايير. فالفرد/ البطل، الذي وصل الى هذه المرحلة من النضج، وهو بعد طفل في مرحلة التكوين، يصبح مفتقراً الى المعايير الاجتماعية التي تضبط سلوكه مع الآخرين. أما المعايير التي كانت يوماً محط احترام زملائه وأقرانه، فلم تعد تستأثر بهذا الاحترام، الأمر الذي أفقده السيطرة على سلوكياته، فانسحب الى ذاته». الأربعاء 26/8/2009: حامل المفاتيح جسده المنهك لا يتحمل المهمة، أن يتفقد بيوتاً غادرها أهلها، فالمفاتيح المعدنية كثرت والأمانة أكثر ثقلاً. وحيد مع زوجته الوحيدة. قليلاً ما يتبادلان الكلام، فإذا فعلا يكون الحديث عن أبناء سافروا بلا عودة. من بيته في أول القرية يرى السيارات تعبر الطريق لا تتوقف. هذه قرية الأشباح، وهو يتوجه أسبوعياً الى القرية الكبيرة القريبة ليموّن بيته. لا وقت للزرع بل لتفقد البيوت الفارغة والتأمل. وهو وزوجته آخر المقيمين، أما سائر أهل القرية ففي أربع رياح العالم يحلمون بالعودة المستحيلة وفي انتظارهم حامل المفاتيح. ليس هذا الكلام تخييلاً. ففي لبنان قرى تكاد تفرغ من سكانها، وحين تجولت في إحداها كنت أبحث عن موقع لخطاي في زحمة الطيون، نبات يستخدم في الطب الشعبي وليس من أجساد تحتاجه. الخميس 27/8/2009: أرض العراق جاء في تقرير لمنظمة «أوكسفام» الخيرية البريطانية العالمية «أن سكان المناطق الفقيرة وأبناء الجاليات المهمشة هم الأكثر عرضة للمجاعة بسبب التغير المناخي وعدم قدرتهم على التعامل مع الكوارث الناجمة عن الطقس، جراء افتقادهم المصادر المطلوبة للتخفيف من مضاعفات هذه الكوارث». بذلك يلامس التقرير احتكار الأكثريات للدولة و «طرد» الأقليات خارج خيمة القانون، نحو العزلة والفقر وبعيداً من أي دعم أو مواساة. ويعود التقرير ليلحظ «ان نيبال تعد واحدة من أفقر الدول في العالم، يعيش 31 في المئة من سكانها البالغ عددهم 28 مليون نسمة تحت خط الفقر ويقيمون في مناطق ريفية مهددة بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والانزياحات الترابية». هذه المعلومات دعوة الى دعم دولي لنيبال. ولكن، ماذا عن معلومات غامضة ومشاهد بارزة عن تراجع نسبة الماء في نهري دجلة والفرات في العراق، والجفاف الذي لا يني يضرب هذا البلد فتتراجع بسرعة المساحات الصالحة للزراعة؟ العراقيون يرون هذا الجفاف حين يأكلون من المعلبات المستوردة بتمويل النفط، لكنهم ينصرفون الى شحن الأحقاد والتقاتل على النفط والمعلبات... أما الأرض والماء فليس من يلتفت إليهما.