جمعت أمسية أقامها مهرجان الدوخلة مساء أول من أمس، الشاعرين حسن السبع وأحمد الملا، في أول أمسية لهما منذ زهاء 27 عاماً، إلا أن الأمسية لم تكن ثنائية، إذ كانت معهما على المنصة الشاعرة الدكتورة فوزية أبوخالد، في «الخيمة الثقافية لمهرجان الدوخلة» في نسخته العاشرة، المقامة برعاية إعلامية من «الحياة». ورافق الشعراء الموسيقي سلمان جهام، وقدم الأمسية الشاعر زكي الصدير. وانطلقت الأمسية بعزف مقطوعة موسيقية من تأليف جهام، وأهداها إلى أرواح الأطفال الثلاثة الذين لقوا حتفهم اختناقاً في بلدة أم الحمام «محافظة القطيف» عشية عيد الأضحى المبارك. فيما قدم الصدير تعريفاً بسير الشعراء المشاركين، قبل أن يترك لهم «المايكرفون» في جولات شعرية عدة. فقرأت أبوخالد من ديوانها الجديد «ملمس الرائحة»، قصيدة «رائحة الأمل». وقالت فوزية أبوخالد: «إن الديوان الجديد جزء من المجموعة الكاملة». وتعد أبوخالد الشاعرة السعودية الأولى التي تجمع دواوينها في إصدار واحد. وكرمتها وزارة الثقافة والإعلام، ونالت جائزة «الريادة في كتابة الشعر الحديث السعودي». كما قرأت أبوخالد قصيدة مُهداة إلى روح الراحل عبدالعزيز مشري، أثارت بها الشاعر حسن السبع، الذي بدوره قرأ قصيدة لمشري بعنوان: «الزهور تبحث عن آنية»، وهي قصيدة بديعة رددها السبع في أكثر مناسبة. وأكمل السبع جولته بقصائد تفاعلية، ونثر بعضاً من قصائده أيضاً. فيما أبدى الشاعر أحمد الملا رهانه على دواوينه الثلاثة الصادرة هذا العام. وقرأ قصيدة «فلاح من الأحساء» و«من تمارين الوحش»، وديوانه الذي سيرى النور هذه الأيام عن دار مسعى للنشر والتوزيع، ويحمل عنوان: «علامة فارقة»، أما الموسيقى التي كان لها وقعها الخاص فأبت إلا مرافقة فوزية أبوخالد، التي طالبها الجمهور، الذي اكتظت به الخيمة الثقافية بقراءة نصوص أخرى. ولعلها من المرات القليلة التي يجتمع فيها ثلاثة من الشعراء، لكل واحد منهم تجربته المتفردة، وعوالمه التي تلامس أسئلة وفضاءات متنوعة. أمسية عكست انسجاماً تاماً، انسجاماً لم يلغ التنوع والاختلاف والتمايز بين التجارب الثلاث. كما مثلت الأمسية لحظة فريدة من لحظات المهرجان، الذي عرف شعبية كبيرة وحضوره يعدون بالمئات، منذ انطلاقته قبل أعوام. ومن الأمور الجديرة بالتوقف أن الشاعرة فوزية أبوخالد تعود كشاعرة بعد غياب طويل إلى المنطقة الشرقية، لذلك كانت مشاركتها مناسبة مهمة، دفعت الكثير من المثقفين الذين ينتمون إلى تيارات وأجيال مختلفة لأن يحرصوا على حضور الأمسية والإنصات إلى نصوصها. احتفى الحضور والمهرجان بمشاركة أبوخالد، وهو احتفاء في العمق بتجربة فريدة، طالما استطاعت مقاومة التلاشي، مندفعة إلى قمم الشعر والحياة، ولم تكسرها الممانعات الكثيرة، إنما منحتها، كما عبر البعض، قابلية على تخطي الصعاب والتأقلم معها. أثار الشعراء الثلاثة، كل على طريقته الخاصة، شجون الحضور وهمومهم معاً. أصاب كثيراً مهرجان «الدوخلة»، بتنظيمه هذه الأمسية التي كانت عيداً في حد ذاتها. ومما يلاحظ أن الفعاليات الأدبية كلها هذا المنوال، من الانسجام والانفتاح على التجارب التي أثارت وما تزال تثير أسئلة وإشكالات تشغل شريحة واسعة من المتلقين والمهتمين. وطالب عدد من المثقفين منظمي المهرجانات، بضرورة الإفادة من «الدوخلة»، من ناحية اختيار الأسماء شاعرات أم شعراء، وضرورة أن تمثل الخريطة الشعرية الحديثة، وأبرز اللحظات فيها. واعتبر شعراء أن الأمسية وما شهدته من حضور كثيف ومتنوع، أعادت الشعر ثانية إلى الواجهة، بعد أن توارى قليلاً بسبب هجمة الرواية وأنواع أخرى. وكسرت الأمسية، في رأي البعض، النخبوية التي طالما طبعت شعر الحداثة، إذ كان الحضور في غالبيتهم ليسوا من الأدباء أو المثقفين، إنما من زوار المهرجان، ومع ذلك بقوا يصغون إلى الشعر ويتفاعلون مع الشعراء ويطالبونهم بالمزيد.