ما أن انتهى العراقيون من إحصاء ضحايا تفجير 14 سيارة مفخخة في الأحياء الفقيرة شرق بغداد، حتى بدأ السياسيون تبادل الاتهامات وتحميل بعضهم مسؤولية الفلتان الأمني، فيما كانت جولة جديدة من الصراع تجري خلف الكواليس بين رئيس الوزراء نوري المالكي وخصومه حول هيئة «المساءلة والعدالة» المعنية باجتثاث البعثيين. وسقط أمس نحو 155 قتيلاً وجريحاً في أحياء الصدر والكمالية والشعب وشارع فلسطين (شرق) بسلسلة تفجيرات بسيارات مفخخة قرب اسواق وتجمعات شعبية. ووجه المالكي في بيان، اتهامات ضمنية إلى التظاهرات واعتبر التفجيرات «تطبيقاً عملياً لدعوات التحريض والكراهية والأصوات الطائفية التي تطلقها بعض الجهات». وحمل النائب محمود الحسن، وهو أحد المقربين من المالكي، التظاهرات مسؤولية الحادث وقال إن «الجميع شاهد أعلام تنظيم القاعدة ترفع في تظاهرات تقودها عصابات إجرامية، وكانت نتيجة السكوت عنها تفجيرات دامية استهدفت الأبرياء في مناطق محددة تخص مكوناً معيناً». وضربت التفجيرات أحياء يشكل الشيعة غالبية سكانها، ومناطق نفوذ لتيار الزعيم الديني مقتدى الصدر الداعم للتظاهرات منذ انطلاقها قبل نحو 50 يومياً، ما حدا بالشيخ أحمد أبو ريشة، وهو أحد أهم شيوخ العشائر إلى اتهام الحكومة بالحادث بقصد «الثأر من التيار الصدري والشيعة المؤيدين للتظاهرات في المناطق الغربية والشماليةّ. وعاد رجل الدين الشيعي واثق البطاط الذي أعلن قبل أسابيع تشكيل مليشيا باسم «جيش المختار» للانتقام من «البعثيين والإرهابيين» و «دعم الحكومة» إلى الواجهة من جديد، بعدما حذر الأربعاء الماضي في تصريحات بثتها وكالة «المدى» المحلية من تفجيرات كبيرة بداية هذا الأسبوع وطالب بإعلان حظر التجول، وكرر أمس تحذيراته وحمل الحكومة مسؤولية عدم التجاوب مع المعلومات التي قال إنه حصل عليها من «مصادر موثوق بها». أجواء الاضطراب عكستها أمس صور عشرات الضحايا، وبينهم نساء وأطفال، تساقطوا وسط ركام المباني والسيارات المحطمة، لم تخف صراعاً يخوضه رئيس المالكي ضد خصومه حول إجراءات هيئة «المساءلة والعدالة» التي سيطرت عليها منتصف العام الماضي كتل «الصدر والعراقية والأكراد» وبدأت استخدامها لتجريده من مكامن قوته، عبر اجتثاث رئيس المحكمة الاتحادية مدحت المحمود بتهمة العمل لصالح النظام السابق، والتوجه إلى اجتثاث عشرات ضباط الجيش والشرطة والقضاة الذين تعدهم تلك الجبهة عماد مصدر قوته. وبعد أقل من 48 ساعة من اجتثاث المحمود عاد الأخير إلى العراق أمس لتمييز القرار، فيما بادر المالكي إلى عزل رئيس هيئة «المساءلة» فلاح شنشل (تيار الصدر) من منصبه، وأرسل كتاباً إلى كل المؤسسات يدعوها إلى عدم تنفي قرارات «الهيئة». وعلى رغم أن هذا التطور بدا محاولة لحماية العشرات من المشمولين بإجراءات الاجتثاث، بعد استثنائهم، فإن خصوم المالكي اعتبروا عزل شنشل لا يعني بطلان قرارات الهيئة التي ستستمر في عملها لأنها معينة بموافقة البرلمان. معركة كسر العظم بين المالكي وخصومه وقودها الملفات الأمنية والسياسية والقانونية، بالإضافة إلى التظاهرات، لكنها لم تخل من محاولات للتهدئة أبداها رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي دعا أمس إلى عقد مؤتمر في أربيل للقوى السياسية قبل نهاية الشهر الجاري، بعد اتصالات أجراها مع الأحزاب الرئيسية بالإضافة إلى السفير الأميركي الذي دعاه أول من أمس إلى إطلاق هذه المبادرة. في الأنبار لم تكن أجواء التظاهرات أمس مختلفة عن الأيام السابقة، عدا انتشار أنباء عن مذكرة قضائية لاعتقال أمير عشائر الدليم الشيخ حاتم السلمان بتهمة «التحريض على العنف» وحذر رجال دين وشيوخ عشائر من مغبة اللجوء إلى اعتقال الناشطين.