يبادر رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، إلى أكبر خطواته السياسية، وهي في آن أكثرها مجازفة: فهو أمام مفترق طرق: إما أن يكسب جائزة نوبل للسلام وإما أن ينتحر سياسياً. ولو اختار الطريق الأسهل، لم يكن ليحول شيء دون بلوغه كرسي رئاسة الجمهورية، على رغم أنه منصب يقيده الاشتراك في الحكم والنفوذ مع رئيس وزراء. لكن أردوغان اختار الطريق الأصعب، وهو يريد أن يكون رئيساً كامل الصلاحيات وعظيم النفوذ، ينتخبه الشعب مباشرة. لذا، يقدم على سلسلة خطوات خطيرة ومهمة في آن: فهو يسعى إلى حل القضية الكردية من طريق المفاوضات مع عبدالله أوجلان والتعاون مع أربيل من أجل نزع سلاح «حزب العمال الكردستاني». ويجمع أردوغان إلى هذين الملفين، قضايا قد تتداخل عناصرها وتتشابك، منها الإصلاحات السياسية والتعديلات في نظام القضاء التي قد تغير خريطة تركيا الإدارية وبنيتها القضائية، والخيارات السياسية الخارجية الحرجة. فثمة مجازفة في إبرام اتفاق مع الحزب «الكردستاني» من أجل إجراء استفتاء لحل القضية الكردية والسعي إلى تعديلات قضائية تفرج عن آلاف الأكراد المسجونين بتهمة الانتماء إلى الحزب. وأردوغان يسعى كذلك إلى الإفراج عن العسكريين الموقوفين على ذمة قضايا انقلابية، في وقت تعاظم الاستقطاب في المجتمع التركي وتفاقم التوتر نتيجة هذه القضايا. هدف المشاريع الأردوغانية هو شدّ عود الحرية والديموقراطية في تركيا، وحل أهم قضية شغلتها وأعاقت تطورها ألا وهي القضية الكردية، وتسعى في تقويم خلل توازن المؤسسة العسكرية. ولا يقتصر أثر المشاريع هذه على تركيا ومستقبلها، فتردداتها قد تؤثر كذلك في مستقبل المنطقة. هذه أهداف وربما أحلام يفكر فيها أردوغان بلا شك ويأمل بتحقيقها وربما ببلوغ ما هو أعظم منها عندما يصل إلى كرسي الرئاسة. وربما يطمح إلى جائزة نوبل للسلام. ولكن، لماذا يريد أردوغان أن يبلغ سدة رئاسة الجمهورية؟ الجواب يقتضي النظر إلى الوضع الإقليمي: يبدو أن العراق لن يبقى على حاله، وأن التقسيم هو مصيره في نهاية الأمر. ويرجح أن تلقى سورية المصير ذاته عاجلاً أم آجلاً. ومستقبل إيران التي كاد أن ينفجر في أراضيها الربيع قبل أن تحل فصوله في العالم العربي، غامض. ولم يعد أكراد تركيا والأناضول يفكرون في الانفصال عن تركيا. فنفط أربيل وشمال العراق لن يحمل الأكراد الأتراك على الانضمام إلى شمال العراق. فأربيل لن تكون أغنى ولا أفضل حالاً ولا أكثر ديموقراطية من أنقرة. وأربيل نفسها تحتاج إلى تركيا من أجل الانفتاح على العالم. وأحسِب أن أردوغان يؤمن بضرورة تقوية النظام الفيديرالي في تركيا والمنطقة، ولعله يصبو إلى نموذج يحول بلاده قاطبة أكراد المنطقة كلهم. ومثل هذه الطموحات كبير ويفترض حس المغامرة والمجازفة، ويقتضي حصوله امتلاك المبادر إليه صلاحيات واسعة وتربعه في قمة الهرم. لذا، يبدو أردوغان مصمماً على بلوغ مثل هذا المنصب. * صحافي، عن «أكشام» التركية، 11/2/2013، اعداد يوسف الشريف