غيب الموت أمس الكاتب والمفكر المصري جمال البنا شقيق مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» حسن البنا عن 93 عاماً، بعد حياة حافلة باجتهادات طالما انتقدها الإسلاميون وتميزت بقراءات نقدية عصرية للتراث. ولد البنا في كانون الأول (ديسمبر) من العام 1920، في محافظة البحيرة (في دلتا مصر)، وهو لم يتزوج، وبدأ حياته العملية صحافياً، فأسس صحفاً عدة أغلقت جميعها، لكنه استمر في نشر مقالاته في الصحف الخاصة. ألف أول كتبه في العام 1945، وكان بعنوان «ثلاث عقبات في الطريق إلى المجد»، وله أكثر من 150 كتاباً، نشرت غالبيتها «دار الفكر الإسلامي» التي أسسها. توسع البنا في الاجتهاد في ما يخص ممارسات دينية، ما وضعه في دائرة انتقاد بعض الإسلاميين وبعض شيوخ الأزهر، الذين رأوا أن آراءه «تخالف الكتاب والسنة»، فهو أجاز إمامة المرأة للرجل في الصلاة إن كانت أعلم منه بالقرآن، وهي الفتوى التي أثارت عاصفة من الانتقادات اعتاد البنا على مواجهتها، وهو رأى أن الحجاب ليس فرضاً على المرأة المسلمة، بل عادة، وأن الردة عن الإسلام لا تستوجب القتل، كما أفتى بأن التدخين في نهار رمضان لا يبطل الصوم لمن لا يقدر أن يقلع عن تلك العادة، ولم يُجِزْ للرجل أن يُطلق زوجته بإرادة منفردة، «كونه تزوجها بصفة الرضا فالطلاق أيضاً يستلزم الرضا». وواجه البنا انتقادات كثيرة بسبب فتواه عن ضرورة إعمال العقل في الأمور الدينية، وفتح باب الاجتهاد أمام الفقهاء، لكن غالباً لم تكن تلقى أفكاره استحساناً لدى العامة مع انتشار الاتجاهات المحافظة. ودأب شقيق مؤسس «الإخوان» على انتقاد الجماعة، التي رأى أن قادتها انحرفوا عن فكر شقيقه حسن البنا، الذي لم تكن له طموحات سياسية، وهو حذر مراراً من الخلط بين الدين والسياسة، ورأى أن «مآله الفشل». وسجل موقفاً لافتاً بعد الثورة، بأن أفصح في أوج الخلاف بين جماعة «الإخوان» وزعيم المعارضة محمد البرادعي قبل انتخابات الرئاسة، أن الأخير هو الأفضل لقيادة مصر، حتى أنه رآه «أصلح مرشح إن لم يكن المرشح الوحيد الصالح» لقيادة البلاد. وبعدما أعلن البرادعي عدم خوضه المنافسة على الرئاسة، رأى البنا في القيادي المعارض حمدين صباحي المرشح الأفضل «بعدما فقدنا البرادعي». وشُيع جثمان البنا إلى مثواه الأخير من مسجد في حي الدقي في محافظة الجيزة، بعدما وافته المنية إثر إصابته بنزلة معوية حادة وقصور في القلب والشرايين أقعدته في المستشفى بضعة أيام. وغاب مرشد «الإخوان» محمد بديع عن تشييع الجنازة، فيما حضرها من قيادات الجماعة نائب المرشد محمود عزت ونائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» -الذراع السياسية للجماعة- عصام العريان. ومن مؤلفاته «مسؤولية الانحلال بين الشعوب والقادة كما يوضحها القرآن» و «ترشيد النهضة» وترجمة كتاب «المعارضة العمالية في عهد لينين» لمدام كولونتاي وتعليقه عليه، و «روح الإسلام» و «الأصلان العظيمان: الكتاب والسنة». وابتداء من 1990 انشغل بإصدار كتابه الجامع «نحو فقه جديد» في ثلاثة أجزاء، دعا فيه إلى تجديد الفقه. وصدر الجزء الثالث منه العام 1999 وأثار ضجة كبيرة ودعا بعضهم إلى مصادرته، فرد عليهم جمال البنا العام 2000 بإعلان تأسيس «دعوة الإحياء الإسلامي»، التى ضمنها خلاصة فكره الإسلامي والسياسي والثقافي.