شيّع عشرات الآلاف من الأكراد في مدينة دياربكر جنوب شرقي تركيا أمس، ثلاث ناشطات كرديات قُتلن في باريس الأسبوع الماضي، في موكب جنائزي مهيب تقدّمه قادة الأكراد في تركيا الذين تعهدوا مساندة الجهود لإنهاء النزاع مع أنقرة. وحمل مشهد التشييع رسائل سياسية قوية، أهمها تصميم الأكراد على متابعة مسيرة الحل السلمي واستكمال الحوار بين حكومة حزب «العدالة والتنمية»، ممثلة برئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، والزعيم المعتقل ل «حزب العمال الكردستاني» عبدالله أوجلان في سجن إمرالي. كما شكّل رسالة دعم وتأييد ل «الكردستاني» الذي تنتمي إليه الناشطات الثلاث، فيدان دوغان وليلى سويلماز وساكنة جانسيز، والأخيرة من مؤسسي الحزب وكانت مقربة جداً من أوجلان. ونجحت المسيرة التي جابت شوارع دياربكر، في تجنّب أي عمل استفزازي كان من شأنه أن يحوّل التشييع تظاهرات حاشدة وصدامات مع أجهزة الأمن التركية التي اتخذت احتياطات واسعة ومشددة، لكنها التزمت تعليمات الحكومة بالتعامل مع المسيرة من بعيد، من دون تدخل مباشر، لتجنّب أي احتكاك قد يفجّر الوضع المتوتر أصلاً، بسبب اغتيال الناشطات الثلاث اللواتي سيُدفنّ اليوم، كلّ في مسقط رأسه. ووُضعت صور الناشطات الثلاث أمام نعوشهن التي غطتها أعلام كردية بالأصفر والأحمر والأخضر وزهور قرنفل حمر. وارتدى معظم المشاركين في التشييع، ألبسة سود، ورددوا هتافات، بينها «طريق الشهداء طريقنا، وحزب العمال الكردستاني حزبنا. يحيا القائد آبو» في إشارة إلى أوجلان. لكن غالبية المشاركين وضعوا أيضاً غطاء رأس أبيض، في رمز إلى السلام. وغلب على التشييع خطاب ألقاه القيادي الكردي أحمد ترك، طالب خلاله الحشد ب «تجنّب إفساد مسيرة الحوار، وعدم السير وراء أعمال استفزازية هدفها تخريب المسيرة، من خلال اغتيالات». لكنه انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بسبب غارات شنها الجيش التركي على مراكز ل «الكردستاني» في جبال قنديل شمال العراق أخيراً، قائلاً في إشارة إلى أردوغان: «تتحدث عن السلام، لكنك تقصف قنديل، فيما نشيّع شهداءنا الثلاثة. كيف تتحدث عن السلام، وتقصف الأكراد؟». أما رئيس «حزب السلام والديموقراطية» الكردي صلاح الدين دميرطاش فأكد أن قتل الناشطات الثلاث لن يعرقل مسيرة السلام، مضيفاً: «نساند المحادثات التي يجريها أوجلان. الشعب الكردي المُحتشد هنا، أثبت أنه يريد السلام. حان الوقت للسلام، نصرخ بذلك أمام جثامين قتيلاتنا. لا تَدَعوا أطفالنا يُقتلون بعد الآن. يمكننا وقف هذه المجزرة، من خلال حوار يسوّي مشكلاتنا. الشعب هنا لا يتعهد الثأر، على رغم أنه يدفن أبناء له». ورأى أن اغتيال الناشطات الثلاث «يجب أن يكون نقطة تحوّل»، معتبراً أن «أردوغان ليس واضحاً»، ودعاه إلى الاختيار بين الحرب والسلام. أردوغان الذي كان اعتبر اغتيال الناشطات الثلاث «تصفية حسابات» داخل «الكردستاني»، أو محاولة «تخريب» لمسيرة السلام، انتقد «تحريضاً» يمارسه «حزب السلام والديموقراطية»، إذ يحمّل أنقرة مسؤولية مقتل الناشطات. ورأى أردوغان في ذلك «نماذج لسياسة رخيصة وقبيحة، وشجاعة جوفاء، ممَّن لا يجرأون على سؤال فرنسا وأسيادهم ومنظمتهم، عن ملابسات الحادث». واعتبر مسيرة السلام «اختباراً للثقة وضبط النفس من الجانب الكردي»، مشدداً على «ضرورة الامتناع عن الوقوع في فخ نصبه أعداء السلام». واتهم «أوساطاً» بالسعي إلى «عرقلة مسيرة السلام، من خلال نشر افتراءات وإشاعات مغرضة، لتضليل الشعب»، معتبراً أن «هذه المرحلة تشكّل امتحاناً للصدقية». وثمة ترقّب لقرار المحكمة الدستورية العليا التي تنظر في طعن المعارضة بقانون خاص أصدرته الحكومة قبل أشهر، لحماية هاكان فيدان من تحقيق فتحه المدعي العام، حول مفاوضات سرية بين رئيس الاستخبارات التركية وقيادات سياسية في «الكردستاني» في النروج قبل أربع سنوات. ورأت أوساط الحكومة في التحقيق عرقلة لتصفية المسؤول عن مسيرة الحوار مع أوجلان، علماً أن مراقبين رجّحوا أن ترفض المحكمة الطعن، إذ أن غالبية قضاتها مقربون من الحكومة.