تدور في تركيا حرب كلامية مدارها الجريمة البشعة التي راحت ضحيتها 3 ناشطات كرديات في باريس. ولا يتوانى أحد عن الإدلاء بدلوه في القضية ولو لم تكن لديه معلومات عن الحادثة. وأثر فوضى التصريحات أخطر من أثر الاغتيال السياسي في عملية المصالحة الكردية والحوار الدائر بين الحكومة وزعيم "حزب العمال الكردستاني"، عبدالله أوجلان. وسارع الناطق باسم الحزب الحاكم، حسين شيليك، إلى إعلان أن ما حدث هو عملية تصفية داخلية بين قوى "الكردستاني"، وسارعت قيادات حزب "السلام والديموقراطية" الكردية إلى توجيه الاتهامات إلى الأصابع الخفية القومية التركية بتنفيذ الاغتيال. لذا، ثمة ضرورة لالتزام الصمت. فالوقائع قد تضيع في غابة التصريحات. ويهدد تبادل الاتهامات عملية السلام مع "الكردستاني". وسعى رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، إلى استغلال هذا الحدث لزيادة شعبيته على حساب عدو قديم ليس الحزب الكردستاني، بل فرنسا. فوجّه أردوغان وابل الانتقاد إلى الرئيس فرانسوا هولاند، إثر قوله إنه كان يعرف إحدى تلك الناشطات، وهي على الأغلب الناشطة فيدان دوغان. وسأل أردوغان "كيف يلتقي رئيس فرنسا بشخصية إرهابية مطلوبة من الأنتربول؟ ... على الدولة الفرنسية أن توضح الأمر!". قد يبدو للوهلة الأولى أن أردوغان مصيب في سؤاله. ففرنسا شأن الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي تصنف "الكردستاني" حزباً إرهابياً. ووقع الجريمة المفاجئة في تركيا وفرنسا ربما كان وراء زلة لسان هولاند، وعوض أن تتوسل الديبلوماسية التركية زلة اللسان الفرنسية لحمل باريس على التعاون في التحقيق وإطلاع أنقرة على تفاصيله، يتوقع أن تؤدي تصريحات أردوغان غير الديبلوماسية إلى أزمة جديدة مع فرنسا ورئيسها. ويبدو أن هدف تصريحات أردوغان هو استمالة الأتراك وليس الوقوف على حقيقة ما حصل في باريس. وردّ زعماء المعارضة الأتراك على اتهامات أردوغان لهولاند، ولسان حالهم الهازئ "لماذا تُنكر على الرجل لقاء ناشطة كردية فيما حكومتك تفاوض زعيم العصابة"؟ إلقاء نظرة سريعة إلى الأحداث يُظهر أن تركيا هي المشتبه الأخير به في هذه الجريمة. فالناشطون الأكراد كثر في أوروبا، ولم يسبق أن طاولت يد الاستخبارات التركية أحدهم بالسوء. وأنقرة لن تقدم على مثل هذه الخطوة "الاستفزازية" فيما تعقد الآمال على الحوار مع زعيم "الكردستاني" في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها الشرق الأوسط. وثمة من يقول إن القاتل قد يكون دولة مثل إيران أو ألمانيا أو إسرائيل ، أي الدول المعروفة تاريخياً بحرصها على إدامة الأزمة الكردية في تركيا. وبعضهم يرى أن جهاز استخبارات غربياً سعى إلى التخلص من متعاونات كرديات معه شهدن على دعمه "الكردستاني" مالياً أو عسكرياً للحؤول دون بلوغ هذه المعلومات أنقرة، إذا أُبرِمت المصالحة الكردية - التركية. ولا يُستَخَف بأهمية إعلان الحكومة وقيادات كردية التمسك بمواصلة الحوار من أجل السلام مهما حدث، وأن جريمة باريس لن تجهضه. *كاتب، عن "طرف" التركية، 13/1/2013، اعداد يوسف الشريف